للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عبدل الكوفى أهرن وطبّه فى بعض شعره (١). ويروى أن سالما مولى هشام بن عبد الملك ترجم بعض رسائل لأرسطاليس (٢). كما يروى أنه نقل لهشام كتاب عن الفارسية يتحدث عن الدولة الساسانية ونظمها السياسية. (٣)

وهذه الأخبار القليلة عن الترجمة فى عصر بنى أمية إنما هى رمز للحقيقة الكبيرة، حقيقة تحول الثقافة الهيلينية إلى حجور العرب بكل ما كان فيها من منطق يونانى ومعارف مختلفة، ومن المؤكد أن هذا التحول لم يتأخر إلى العصر العباسى كى يتم، أو كى تتم دورته، فقد كان كل شئ فى هذا العصر الأموى يدفع إلى تمامه، لا عن طريق الترجمة فحسب، بل أيضا كما قلنا آنفا عن طريق المشافهة وانتقال الشعوب المفتوحة إلى الإسلام والعربية بكل كنوزها الفكرية ومعارفها العقلية.

ومعنى هذا كله أن العقل العربى دعم فى هذا العصر بمواد ثقافية كثيرة، وهو دعم نجد آثاره فى ازدهار العلوم الإسلامية الخالصة: علوم الفقه والتفسير والحديث، كما نجد هذه الآثار فى كثرة المناظرات التى نشبت بين الآراء المختلفة فى السياسة والدين وغير السياسة والدين. وارجع إلى أخبار الخوارج فستجدهم يثيرون الجدال فى كل مكان، وجدالهم مع على بن أبى طالب وعبد الله بن عباس مشهور، ويروى أن عبد الملك بن مروان أتى برجل منهم، فجعل يبسط له من قولهم ويزين له من مذهبهم بلسان طلق وألفاظ بينة ومعان قريبة، حتى قال عبد الملك: لقد كاد يوقع فى خاطرى أن الجنة خلقت لهم وأنى أولى بالجهاد منهم، ثم رجعت إلى ما ثبّت الله علىّ من الحجة وقرّر فى قلبى من الحق (٤). وهذا رجل من عامتهم فما بالنا بزعمائهم، ويشيد المبرد فى كتابه «الكامل» بقدرتهم على الجدل واستظهار الأدلة والبراهين (٥)، وقد جعلهم


(١) الحيوان ١/ ٢٤٧ وعيون الأخبار ٤/ ٦٢.
(٢) الفهرست ص ١٧١.
(٣) راجع صفحات عن إيران لصادق نشأت ومصطفى حجازى (نشر مكتبة الأنجلو المصرية) ص ٨١.
(٤) الكامل (طبعة رايت) ص ٥٧٣.
(٥) الكامل ص ٥٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>