للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك يختلفون ويتوزعون فرقا من أزارقة ونجديّة وصفرية وإباضية، وشكا زيد بن جندب من هذا الاختلاف بينهم، فقال (١):

كنّا أناسا على دين ففرّقنا ...؟ ؟ ؟ الجدال وحلط الجدّ باللّعب

ما كان أغنى رجالا ضلّ سعيهم ... عن الجدال وأغناهم عن الخطب

وكان الشيعة على شاكلتهم ينافحون عن عقيدتهم، واختلفوا هم الآخرون وتجادلوا فيما بينهم، وجادلوا أصحاب الفرق التى عاصرتهم، وممن اشتهر بإحسانه للجدال منهم زيد بن على بن الحسين مؤسس مذهب الزيدية الشيعى، وقد تحول شاعره الكميت بأشعاره الملقّبة بالهاشميات إلى تقرير نظرية هذا المذهب وكأننا لا نقرأ عنده شعرا، وإنما نقرأ مقالة فى المذهب الزيدى تبسط أصوله وتدافع عنه بالحجج والبراهين.

وإذا انتقلنا من السياسة إلى الدين وجدنا الفقهاء يتجادلون طويلا فى مسائلهم الفقهية بين أيدى الخلفاء وفى مجالسهم العامة والخاصة، وتروى من ذلك مناظرة (٢) بين قتادة والزّهرى فى مجلس سليمان بن عبد الملك وأخرى (٣) بين ابن شبرمة وإياس بن معاوية، تناولا فيها نحو سبعين مسألة. ويروى أن الشّعبى الكوفى كان يجلس فى مجالسه وحوله تلاميذه يناظرونه (٤). وقد كثرت هذه المناظرات حتى نشأ عنها علم الاختلاف أى اختلاف الفقهاء. وكان أيوب السّختيانى يقول: «لا يعرف الرجل خطأ معلمه حتى يسمع الاختلاف (٥)»، وأداهم ذلك إلى تحكيم العقل فى آرائهم والتدقيق فى مسالك أدلتهم حتى نشأ بينهم من سمّوا أهل الرأى لغلبة القياس على فقههم (٦).

وقد تجادلوا طويلا فى مسائل العقيدة، وسرعان ما أخذ علم الكلام فى الظهور وتكونت فيه مذاهب القدرية والجبرية والمرجئة والمعتزلة، وكان من أهم المسائل التى أثيرت بينهم مسألة حرية الإرادة، وهل الإنسان حر مختار فى أفعاله أو هو


(١) البيان والتبيين ١/ ٤٢.
(٢) البيان والتبيين ١/ ٢٤٣.
(٣) ابن سعد ج ٧ ق ٢ ص ٥.
(٤) البيان والتبيين ٢/ ٣٢٢.
(٥) البيان والتبيين ٢/ ٩٨.
(٦) المعارف لابن قتيبة ص ٢٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>