للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مجبر مسيّر؟ ووقف القدرية وعلى رأسهم الحسن البصرى يدافعون عن الرأى الأول، إذ لو كان الإنسان مسيّرا بقضاء لازم وقدر محتوم لبطل الثواب والعقاب وسقط وعد الله ووعيده.

واصطفّ أمام القدرية أصحاب مذهب الجبر يناضلون عن مذهبهم وأن كل شئ بقضاء وقدر. وكان هذا المذهب يرضى الأمويين، لأنه يصرف الناس عن التفكير فى ولايتهم وتدبيرهم لشئونهم، مؤمنين بأن خلافتهم قدر مقدور يجب عليهم التسليم به، ومن ثم نرى شعراءهم يردّدون هذه الفكرة طويلا على شاكلة قول جرير يمدح عبد الملك بن مروان (١):

الله طوّقك الخلافة والهدى ... والله ليس لما قضى تبديل

وانبثقت من هذا المذهب ومذهب القدرية شعبة المرجئة فكان هناك جبرية مرجئة وقدرية مرجئة، وكانوا يرون الفصل بين الإيمان والعمل، فالمؤمن مسلم وإن لم يؤدّ الفروض الدينية، إذ المعوّل فى الإيمان على التصديق بالقلب. وكانوا يرون أيضا إرجاء الحكم على أعمال الناس وتركه إلى الله جلّ جلاله، ومن ثمّ رأوا إرجاء الحكم فى أمر على وعثمان ومعاوية حتى يحكم الله بينهم. وجعلهم ذلك يصطدمون بالدولة، لما تنتهى إليه دعوتهم من تعطيل أحكام الدين وأوامره ونواهيه، ويلقانا منهم أبو رؤبة سنة ١٠٢ فى نفر من أصحابه يحارب مع يزيد ابن المهلب فى ثورته على الأمويين (٢). وفى أخبار عمر بن عبد العزيز أنه طلب أئمتهم فى الكوفة من أمثال عون بن عبد الله بن عتبة الهذلى، وناظرهم فى آرائهم (٣). ونرى عونا يرجع من عنده، فيبرأ منهم، وينضم إلى الشيعة، مصورا ذلك فى أبيات تنسب إليه تجرى على هذا النمط (٤):

وأول ما نفارق غير شكّ ... نفارق ما يقول المرجئونا

وقالوا مؤمن من أهل جور ... وليس المؤمنون بجائرينا

وقالوا مؤمن دمه حلال ... وقد حرمت دماء المسلمينا


(١) ديوان جرير (طبعة الصاوى) ص ٤٧٤.
(٢) طبرى ٥/ ٣٤٠.
(٣) ابن سعد ٦/ ٢١٨.
(٤) البيان والتبيين ١/ ٣٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>