للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد مرّ بنا فى حديثنا عن الحضارة ما كان لهم من إقطاعات وقصور وحمامات تستغلّ فى البصرة. فهم لم يكونوا فى مرتبة متخلفة بالقياس إلى العرب، ولعل مما يدل على ذلك أن نجد الفرزدق المعروف بغطرسته حتى على الخلفاء يمدح طائفة منهم مثل عبد الله (١) بن عبد الأعلى مولى خالد بن الوليد ومسلمة (٢) ابن سنان مولى بنى مسمع وكثير (٣) بن سيار مولى بنى سعد ومسلم (٤) بن المسيب مولى بنى بجيلة. ومن يرجع إلى ديوان جرير يجده فى إحدى قصائده يفتخر بمعدّ مدخلا فيها قضاعة كما يفتخر بالموالى ذاكرا أنهم ينتسبون إلى إسحق بن إبراهيم عليهما السلام. يقول (٥):

أنا ابن الثّرى أدعو قضاعة ناصرى ... وآل نزار ما أعزّ وأكثرا (٦)

وأبناء إسحاق الليوث إذا ارتدوا ... محامل موت لابسين السّنوّرا (٧)

فيوما سرابيل الحديد عليهم ... ويوما ترى خزّا وعصبا منيّرا (٨)

إذا افتخروا عدّوا الصّبهبذ منهم ... وكسرى وآل الهرمزان وقيصرا (٩)

ويصرّح بأن الموالى أبناء إسحق يجمعهم مع العرب أبناء إسماعيل أب واحد، يقول:

أبونا أبو إسحق يجمع بيننا ... أب كان مهديّا نبيّا مطهّرا

ولا تهمنا صحة الأسطورة التى ردّدها جرير فى هذه الأبيات، والتى تجعل الفرس والروم من أبناء إسحق، إنما تهمنا دلالتها على ما كان يسود بين العرب من الإحساس بأنهم والموالى شعب واحد، تفرّق، ثم عاد إلى الاجتماع


(١) ديوان الفرزدق (طبعة الصاوى) ص ٢.
(٢) الديوان ص ١٠٦.
(٣) الديوان ص ٢٨٧.
(٤) الديوان ص ٨٨٧.
(٥) ديوان جرير (طبعة الصاوى) ص ٢٤٢.
(٦) ابن الثرى: كناية عن كثرة قومه فهم عدد الثرى.
(٧) السنور: السلاح. وهو يصف بذلك الفرس.
(٨) الخز: الحرير. العصب: ضرب من الثياب النفيسة. منيرا: منسوجا بالقصب وله أهداب ووشى.
(٩) الصبهبذ: لقب أمراء إيران.

<<  <  ج: ص:  >  >>