للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويتوفّى عمر بن عبد العزيز سريعا، ويعود العسف والظلم. ويثور الحارث ابن سريج بخراسان فى العقد الثانى من القرن الثانى مطالبا برفع الجزية عمن أسلموا من الموالى، ويتولّى هناك نصر بن سيار فى العقد الثالث، ويرفع الجزية عن الموالى مثبّتا للخراج على الأرض.

ولا بد أن نفرق هنا بين معاملة العرب للموالى ومعاملة الدولة لهم فإن الدولة إذا كانت قد تعسفت معهم أحيانا فإن العرب ظلوا يرعون لهم أخوتهم فى الإسلام.

ويسوق المستشرقون دليلا قويّا على سوء معاملة الدولة لهم ما حدث فى أيام الحجاج إذ هاجر كثير من موالى السّواد فى العراق إلى البصرة والكوفة، فأمر بردّهم إلى قراهم ونقش أسمائهم على أيديهم حتى لا يبرحوها (١) وظاهر الحادث عنف شديد فى الظلم ولكن قد يكون الحجاج اضطرّ إلى ذلك لتعطل الزراعة فى السواد وبالتالى تعطل الخراج الذى كان ينفق منه على تجهيز الجيوش إلى خراسان وغير ذلك من شئون ولايته.

ولم ينكر عمر بن عبد العزيز وحده الجزية التى كانت مفروضة على مسلمى الموالى، فقد كان ينكرها جماعة الأتقياء والقرّاء، لأنها تخالف نصوص الإسلام، وأنكرتها جميع الفرق المعارضة للدولة من خوارج وشيعة ومرجئة، وما زالت الأمة تلح فى إنكارها إلحاحا حتى رفعت عنهم بأخرة من العصر.

وقد عقد ابن عبد ربه فصلا فى العقد الفريد، صوّر فيه العرب يسيئون فى المعاملة إلى الموالى لعصر بنى أمية إساءة بالغة (٢). غير أن بين أيدينا أخبارا كثيرة تشهد بأنهم لم يكونوا يضطهدون أحرارهم ولا أرقاءهم، فقد ذكر ابن حبيب أن نحو ثلاثين من الرقيق فى الكوفة والبصرة نبه شأنهم حتى أصبحوا من أرباب السيادة والشرف (٣). أما ما يلاحظه قلهوزن من أنهم كانوا يحاربون فى جيش المختار رجالة لا فرسانا (٤) فلعل ذلك حدث اتفاقا، وقد اشتهر من بينهم غير قائد فى خراسان مثل حريث بن قتبة وأخيه ثابت وحيّان النبطى وابنه مقاتل، ومن قوادهم المشهورين فى الغرب طارق بن زياد فاتح الأندلس.


(١) طبرى ٥/ ١٨٢ وتاريخ الدولة العربية لقلهوزن ص ٢٣٥ وما بعدها.
(٢) العقد الفريد ٣/ ٤٠٣ وما بعدها.
(٣) المحبر ص ٣٤٠.
(٤) تاريخ الدولة العربية لقلهوزن ص ٢٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>