للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا كان هذا يحدث فى نجد والبوادى فما كان يحدث فى العراق وخراسان أدهى وأمرّ، فقد مضى الولاة وجباة الخراج يعتصرون الناس بفرض ضرائب استثنائية كثيرة، مما ملأ عليهم القلوب غيظا وحنقا والنفوس سخطا ووجدا، فارتفعت الأصوات تطالب بالأمانة فى الحكم لا فى عهد بنى أمية فحسب، بل أيضا فى عهد الزبيريين، ومن خير ما يصور ذلك قصيدة طويلة لابن همّام السّلولىّ وجّه فيها لابن الزبير شكوى عنيفة من عمّاله فى العراق ومن أقامهم هناك على الخراج، وهو يستهلها بقوله (١):

يابن الزّبير أمير المؤمنين ألم ... يبلغك ما فعل العمّال بالعمل

باعوا التّجار طعام الأرض واقتسموا ... صلب الخراج شحاحا قسمة النّفل (٢)

وقد مضى يسميهم واحدا واحدا مصورا لخيانتهم فى الحكم ومطالبا بمحاسبتهم على ما استخلصوا من أموال لأنفسهم ظلما وعسفا.

ويظل الناس متحمّلين من هذا العسف والظلم ما يطاق وما لا يطاق إلى أن ولى الخلافة عمر بن عبد العزيز، فأمر برفع المظالم عنهم وإلغاء كل لون من ألوان الضرائب الاستثنائية، كما أمر بحطّ الجزية عمن أسلموا من الموالى.

وبعث على العراق وخراسان عمّالا جددا ينفذون سياسته العادلة، ومع ذلك ظلت الشكوى قائمة، فقد قام إليه رجل وهو على المنبر فقال (٣):

إن الذين بعثت فى أقطارها ... نبذوا كتابك واستحلّ المحرم

طلس الثياب على منابر أرضنا ... كلّ يجور وكلّهم يتظلّم (٤)

ويناديه كعب الأشقرى من خراسان (٥):

إن كنت تحفظ ما يليك فإنما ... عمّال أرضك بالبلاد ذئاب

لن يستجيبوا للذى تدعو له ... حتى تجلّد بالسيوف رقاب


(١) أنساب الأشراف ٥/ ١٩١ وما بعدها.
(٢) النفل: غنائم الحروب.
(٣) البيان والتبيين ٣/ ٣٥٩.
(٤) طلس: غبر، وهو يكنى بغبرة الثياب عن قذارة نفوسهم وأنهم ليسوا أعفاء. يتظلم حقه: يظلمه إياه.
(٥) البيان والتبيين ٣/ ٣٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>