للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتدل دلائل كثيرة على أن ولاة بنى أمية ومن كانوا يقيمونهم على شئون الخراج والزكاة كانوا يستغلون وظائفهم فى جمع ثروات ضخمة، غير مراعين فى ذلك إلاّ ولا ذمة، فالمهلّب مثلا حين صرفه الحجاج عن الأهواز وجده قد احتجن لنفسه من بيت المال ألف ألف درهم (١)، بينما احتجن ابنه يزيد حين صرف عن خراسان لنفسه من بيت المال ستة آلاف ألف درهم (٢)، ويقال إن راتب خالد القسرى فى ولايته على العراق كان عشرين ألف ألف درهم، ولم يكن يكفيه كل هذا الراتب، إذ كان يستصفى لنفسه-بوسائل غير مشروعة-ما يزيد على مائة ألف كل عام، وقد استخرج منه ومن موظفيه يوسف الثقفى حين ولى بعده العراق سبعين ألف ألف (٣). وكأنما أصبحت الولاية على الناس السبيل غير الشريف للثروة الضخمة والغنى العريض، حتى لنرى أنس بن أبى أناس يقول لحارثة بن بدر الغدانى التميمى حين ولى على سرّق إحدى كور الأهواز (٤):

أحار بن بدر قد وليت إمارة ... فكن جرذا فيها تخون وتسرق

وعلى هذا النحو أصبحت الولاية على الأقاليم والكور مقترنة بالخيانة والسرقة، وعمّ هذا الفساد، حتى بين السعاة الذين كانوا يجمعون الزكاة فى نجد داخل الجزيرة العربية، على نحو ما تصوّر ذلك شكوى الراعى التى وجّه بها إلى عبد الملك بن مروان، وفيها يصف سنة مجدبة أصابت قومه بنى نمير. ومع ذلك فرض عليهم السعاة فروضا ثقيلة، فلما لم يؤدوها صبّوا عليهم السّياط وأرهقوهم من أمرهم عسرا، ومن قوله فى تلك الشكوى المريرة (٥):

أخليفة الرحمن إنا معشر ... حنفاء نسجد بكرة وأصيلا

إن السّعاة عصوك يوم أمرتهم ... وأتوا دواهى لو علمت وغولا

فادفع مظالم عيّلت أبناءنا ... عنا وأنقذ شلونا المأكولا (٦)


(١) طبرى ٥/ ١٣٥.
(٢) طبرى ٥/ ٣٠٣ وانظر ٥/ ٣١٢.
(٣) تاريخ اليعقوبى (طبعة أوربا) ٢/ ٥٥، ٣٨٨.
(٤) الحيوان ٣/ ١١٦ والشعر والشعراء ٢/ ٧١٥.
(٥) جمهرة أشعار العرب لأبى زيد القرشى (طبع المطبعة الرحمانية) ص ٣٥٥.
(٦) عيلت: أفقرت. الشلو: العضو.

<<  <  ج: ص:  >  >>