وقعة صفّين لنصر بن مزاحم. وعبثا حاول علىّ أن يعلى كلمة الإسلام الذى حاول أن يمحو الدعوات الجاهلية وما اتصل بها من عصبيات، إذ لم تلبث طائفة كبيرة فى جيشه بعد قبوله للتحكيم أن نظرت فى تولّى قريش تدبير الأمور فى الأمة، وأن من حقها جميعا أن يكون لها الحكم والسلطان. وبسرعة تكونت جماعة الخوارج وشهرت سيوفها فى وجهه مما اضطره أن يحاربها ويذيقها وبال انتكاسها وخروجها على الجماعة.
ومما لا شك فيه أن موقف معاوية كان سببا قويّا من أسباب استشعار جماعته للعصبية القبيلة، فقد مضى يطالب بحق عشيرته الأموية فى الأخذ بثأر عثمان، وكأنه أحيى قاصدا أو غير قاصد الفكرة القديمة التى كانت تجعل حق الثأر للقبيلة والعشيرة. ومعروف أن الإسلام هدم هذا الحق وحوّله من القبائل والأفراد إلى الدولة، فهى التى تعاقب عليه بما يفرضه دستور القرآن الكريم. وزاد فى استشعار العصبية فى صفوفه أنه كان يعتمد على قبيلة كلب اليمنية، وكان بينها وبين الأمويين مصاهرات مختلفة، فإن عثمان تزوج منها بنائلة بنت الفرافصة. وتزوج معاوية من ميسون بنت بحدل، وهى أم ابنه يزيد، وكذلك تزوج مروان بن الحكم ليلى بنت زبّان بن الأصبغ الكلبية، وهى ابنة عم نائلة.
وقد استغل معاوية فى حربه لعلى ذلك، لأن الصّهر عند العرب كالنسب، ووسّع استغلاله، إذ ضمّ تحت لوائه جميع القبائل اليمنية الشامية.
وعلى هذا النحو كانت العصبية القبلية تسرى فى أحداث هذه الفترة، وهدأت الأمور نحو ربع قرن، حتى إذا توفّى يزيد وجدنا العصبية تستعر بين القبائل فى الشام والجزيرة وفى البصرة وخراسان. أما فى الشام والجزيرة فاندلعت بسبب نزول قيس فيهما واصطدامها فى أولاهما بكلب والقبائل اليمنية وفى ثانيتهما بتغلب الرّبعية. وكانت وفاة يزيد بن معاوية إشارة الوقت لهذا. الاندلاع، فقد بايعت قيس ابن الزبير وبايعت اليمنية وتغلب مروان بن الحكم، وسلّ الطرفان سيوفهما فى معارك حامية تحدثنا عنها فى غير هذا الموضع، وانبعث شعراء كل طرف يفتخرون ويهجون، بالضبط، كما كان يفتخر آباؤهم فى الجاهلية ويهجون.