للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالمربد، وكان له مجلس، وللفرزدق مجلس، فدعا بدهن (طيب) فادّهن وكفّ (١) رأسه، وكان حسن الشّعر، ثم قال: يا غلام أسرج لى، فأسرج له حصانا، ثم قصد مجلس الفرزدق والراعى، فتوجه للراعى يقول له: أبعثك نسوتك تكسبهن المال بالعراق، أما والذى نفس جرير بيده لترجعن إليهن بميسر (٢) يسوءهن ولا يسرّهن (٣)، ثم اندفع فأنشد قصيدته، وفيها يقول للراعى بيته المشهور:

فغضّ الطّرف إنك من نمير ... فلا كعبا بلغت ولا كلابا

ولم يلبث الراعى أن انصرف من مجلس الفرزدق يعلوه الخزى والصّغار، واتجه توا إلى منازل قبيلته نمير فى نجد، وهو يردّد: فضحنا والله جرير، وهم يقولون: هذا شؤمك.

وإنما أطلنا فى هذا الخبر لنعطى صورة عن شاعر النقائض فى المربد، وكيف كان بحتفل بثيابه وزينته، وكيف كان له مجلس يتحلق فيه الناس من حوله ليستمعوا إلى شعره بين الصياح والتهليل، وأيضا لندل على قدرة جرير فى الهجاء وكيف كان يفضح من يتعرضون له فضيحة الأبد. ويقال إنه أسقط فى الهجاء ثلاثة وأربعين شاعرا، ويقال بل ثمانين ونيفا، كانت أقواسهم أضعف من أن ترميه بمثل سهامه المصمية، وممن ثبت له قليلا ثم اندحر عمر بن لجأ التّيمىّ (٤)، وله يقول:

أتوعدنا ونمنع ما أردنا ... ونأخذ من ورائك ما نريد

ويقضى الأمر حين تغيب تيم ... ولا يستأذنون وهم شهود

لئام العالمين كرام تيم ... وسيّدهم-وإن رغموا-مسود


(١) كف رأسه: جمع شعره وضم أطرافه.
(٢) المير: جلب الطعام للأهل والعشيرة.
(٣) انظر فى هذا الخبر أغانى (دار الكتب) ٨/ ٢٩.
(٤) انظر فى ترجمة عمر بن لجأ ابن سلام ص ٣٦٣ وما بعدها وص ٤٩٩ وما بعدها وفى مواضع متفرقة والشعر والشعراء ٢/ ٦٦٢ والاشتقاق ص ١٨٥ والخزانة ١/ ٣٥٩ وفهرس الجزء الثامن من الأغانى والموشح ص ١٢٧ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>