للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومضى يصمه بأخته جعشن، وكانت سيدة طاهرة، ولكنه الهجاء، كما وصمه بأنه قين ابن قين، فهو ليس شريف الأصل كما يزعم. وكان لجده قيون، فرمى جدّته بهم، كى يغيظه ويحفظه. ودائما يردد له جرير ذلك كما يردد قذفه فى أخته، وأيضا فإنه كان يردد كما فى هذه النقيضة أن مجاشعا لم تحفظ للزبير حق جواره، ولو أنه كان جارا لقيس أو ليربوع لحفظا له جواره، كل ذلك ليضرب من حواليه نطاقا من الذل. وكان الذى قتل قتيبة بن مسلم الباهلى وكيع بن أبى سود اليربوعى، فهو ليس مجاشعيا؛ إنما هو من قوم جرير، ومن ثمّ يقول له:

فغيرك أدّى للخليفة عهده ... وغيرك جلّى عن وجوه الأهاتم (١)

فإن وكيعا حين خارت مجاشع ... كفى شعب صدع الفتنة المتفاقم

لقد كنت فيها يا فرزدق تابعا ... وريش الذّنابى تابع للقوادم (٢)

وبذلك استلّ منه الفخر بحادثة وكيع، وجعلها لقومه اليربوعيين، لا لمجاشع وشاعرها الفرزدق. وأخذ يفخر بباهلة قبيلة قتيبة القيسية وأيامها فى الجاهلية، وعمّم الفخر بقيس وأيامها ضد تغلب فى الجزيرة، وعيّر تغلب بمسيحيتها وما تدفع من خراج لخليفة المسلمين، وكان عمر قبل منها أن تدفع صدقة كالعرب لا جزية، ولكن جريرا يأبى إلا أن يسمّى ما تدفعه جزية، ثلبا وتعييرا. ويعود إلى أيام قيس فى الجاهلية، يعددها، ويعدد مالها من انتصارات على تميم وخاصة على دارم.

وتصادف أن كان جرير والفرزدق يصحبان سليمان بن عبد الملك فى أثناء حجّة له. وجاءوه بأسرى من الروم، فأمر بحزّ حلاقمهم، وأعطى لبعض من صحبوه أسياف يضربون بها رءوس هؤلاء الروم، وعرف بعض القيسيين أن سيطلب إلى الفرزدق أن يضرب أحدهم، فدسّوا له سيفا كليلا لا يقطع، فلما ضرب به لم يصنع شيئا فى الرومىّ. وانتهزها جرير، فكان يكرر له هذا


(١) الأهاتم: من أشراف تميم
(٢) القوادم: الريشات الطويلة فى مقدمة جناح الطائر، والذنابى ما خلفها من ريشات قصيرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>