للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله:

هو القين وابن القين لا قين مثله ... لفطح المساحى أو لجدل الأداهم (١)

وقوله:

ورقّع لجدّك أكياره ... وأصلح متاعك لا تفسد

وأدن العلاة وأدن القدوم ... ووسّع لكيرك فى المقعد

وكان جرير يعرف كيف يستخرج من كل شئ هذا العنصر من عناصر الإضحاك، وقد غاظه من الفرزدق انضمامه إلى الأخطل النصرانى ضده، فأخذ يضحك عليه سامعيه فى المربد بمثل قوله:

وإنك لو تعطى الفرزدق درهما ... على دين نصرانيّة لتنصّرا

وقوله:

يحبّك يوم عيدهم النّصارى ... ويوم السّبت شيعتك اليهود

ولعل فى هذا ما يدل أكبر الدلالة على أن النقائض عند الشاعرين الكبيرين:

جرير والفرزدق إنما كان يقصد بها قبل كل شئ إلى تسلية الجماعة العاطلة التى تكونت فى المدينتين الكبيرتين: البصرة والكوفة. وقد بدأت بأسباب قبلية، ولكنها تطورت إلى مناظرة يراد بها ملء أوقات العاطلين، وهى مناظرة كانت تقاطع بالتهليل والتصفيق. ومن ثم لم تأخذ شكلا جادّا من أشكال الهجاء المعروفة عند العرب. ولو أنها أخذت شكلا من هذه الأشكال لشهرت معها السيوف، وخاصة حين يأخذ جرير والفرزدق فى قذف نساء العشائر والأمهات والأخوات.

إنها لم تعد هجاء بالمعنى القديم، بل أصبحت فنّا يقصد به إلى إمتاع الناس فى البصرة وقطع أوقات فراغهم. ولذلك كان الخلفاء والولاة يستقدمون شاعريها المبرزين، ليتناشدا أمامهم ابتغاء اللهو والتسلية (٢). وكل الأخبار تؤكد أن جريرا والفرزدق كانا متصافيين متوادّين لا متخاصمين متباغضين، فهما يجتمعان


(١) فطح المساحى: تسويتها وتعريضها الجدل أيضا: التسوية. الأداهم: جمع أدهم، وهو القيد.
(٢) أغانى (طبع دار الكتب) ٨/ ٣٧، ٧٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>