للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويأخذ فى هجاء جرير هجاء عنيفا يقذع فيه إقذاعا شديدا. وعلى هذه الشاكلة لا يزال الأخطل فى نقائضه لجرير يذمّ عشيرته. راميا لها بكل ما يستطيع من نبال الذل والخسّة والدناءة، وهو يتحدث فيها عن مواقع تغلب مع قيس فى الإسلام وما حققت من بعض الانتصارات، وكثيرا ما يضمّ إلى ذلك فخرا بأيامها فى الجاهلية، كما يضم انتصارا للفرزدق وعشيرته دارم، حتى يبلغ من جرير كل ما يريد من هجاء مرير.

وكان جرير ينقضّ عليه كالصّقر الجارح، فيضع تحت عينه مخازى تغلب وهزائمها فى حروبها مع قيس سواء فى يوم ماكسين الذى نكّل بها فيه عمير بن الحباب أو فى يوم الكحيل الذى نكل بها فيه زفر بن الحارث أو فى يوم البشر الذى نكّل بها فيه الجحّاف السّلمىّ، ضامّا إلى ذلك انتصارات قبيلته: يربوع فى الجاهلية وملججا فى هزائم تغلب قبل الإسلام، مفتخرا عليه افتخارا عنيفا بمثل قوله يردّ عليه نقيضته السالفة:

نحن اجتبينا حياض المجد مترعة ... من حومة لم يخالط صفوها كدر (١)

لم يخز أول يربوع فوارسهم ... ولا يقال لهم كلا إذا افتخروا

هل تعرفون بذى بهدى فوارسنا ... يوم الهذيل بأيدى القوم مقتسر (٢)

خابت بنو تغلب إذ ضلّ فارطهم ... حوض المكارم إن المجد مبتدر (٣)

الظاعنون على العمياء إن ظعنوا ... والسائلون بظهر الغيب ما الخبر (٤)

الآكلون خبيث الزاد وحدهم ... والنازلون إذا واراهم الخمر (٥)

إنى رأيتكم والحقّ مغضبة ... تخزون أن يذكر الجحّاف أوزفر

كانت وقائع قلنا لن ترى أبدا ... من تغلب بعدها عين ولا أثر

حتى سمعت بخنزير ضغا جزعا ... منهم فقلت أرى الأموات قد نشروا (٦)


(١) الحومة: معظم الماء.
(٢) ذو بهدى: يوم ليربوع على تغلب وفيه أسرت فارسها الهذيل بن هبيرة.
(٣) الفارط: الذى يتقدم قبل الإبل ليملأ لها الحوض.
(٤) يريد أنهم لا يعرفون الأمر إلا تدبرا، فهم لا يسألون فى شئ وهم يسألون عن أخبار الناس.
(٥) الخمر: الموضع المستتر، يقول إنهم ينزلون به فرارا من الضيفان والحقوق التى تلزمهم.
(٦) نشروا: حيوا وبعثوا.

<<  <  ج: ص:  >  >>