للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على أنه لم يطنب فيه هنا، فقد تركه إلى وصف ظعن الحبيبة، مستلهما زهيرا فى هذا الوصف ومضيفا إليه تصويرا لأخلاق النساء، وإقبالهن على الشباب وانصرافهن عن الشيوخ. وخرج من ذلك إلى مديح عبد الملك، فمدحه من حيث هو خليفة، منوّها بجوده، ومشبها له فى هذا الجود بالفرات، وهى صورة يتأثر فيها تأثرا واضحا بصورة النابغة للنعمان بن المنذر فى معلقته. ويمضى فيفصّل الحديث عن حربه لمصعب بن الزبير ومهارته فى قيادة الجيوش والظفر بخصومه.

ويمدح أسرته الأموية منوها بشرفها العريق وأنفتها وحمايتها عن الحقوق وبأسها وقوة مراسها وحلمها وصلابتها. ويشيد بوقوفه فى صفوف بنى أمية ونضاله أعداءهم، كما يشيد بنصر قبيلته لهم، ويحمل على زفر بن الحارث زعيم قيس، وكان قد دخل فى طاعة عبد الملك، وكأنه يبغى أن يحفظه عليه وعلى قبيلته، يقول:

بنى أمية إلى ناصح لكم ... فلا يبيتنّ فيكم آمنا زفر

ويستطرد إلى انتصارات تغلب على قيس فى حروبهما بالجزيرة، ويزعم أنه لولا هذه الانتصارات ما دخلت قيس فى طاعة بنى أمية! وقد مرّ بنا أنها نكلت بتغلب بعد موقعة الحشّاك التى قتل فيها فارسها عمير بن الحباب وأن زفر بايع عبد الملك قبل قدومه بجيوشه لحرب مصعب، لا قهرا من تغلب، ولكن بعد نظر. ومضى الأخطل يهجو قيسا حتى إذا بلغ من ذلك كل ما يريد انتقل إلى جرير وعشيرته كليب، فأقذع فى هجائها إقذاعا شديدا بمثل قوله:

أما كليب بن يربوع فليس لهم ... عند التفارط إيراد ولا صدر (١)

مخلّفون ويقضى الناس أمرهم ... وهم بغيب وفى عمياء ما شعروا (٢)

ملطّمون بأعقار الحياض فما ... ينفكّ من دارمىّ فيهم أثر (٣)

قوم أنابت إليهم كلّ مخزية ... وكل فاحشة سبّت بها مضر (٤)

على العيارات هدّاجون قد بلغت ... نجران أو حدّثت سوءاتهم هجر (٥)


(١) التفارط: التقدم للاستقاء من الآبار، والإيراد: ورود الماء. والصدر: الصدور عنه.
(٢) يريد أنهم لا يستشارون ولا يعبا بهم.
(٣) يقول إنهم يلطمون حيث يكونون فى مؤخرات الحياض، تلطمهم دارم عشيرة الفرزدق لعزتها وشرفها.
(٤) أنابت: رجعت وتناهت.
(٥) العيارات: جمع عير وهو الحمار، يهجوء بأنهم أصحاب حمر لا أصحاب خيل. الهدج: تقارب الخطو.

<<  <  ج: ص:  >  >>