للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نشبت بينها وبين قبيلته منذ موقعة مرج راهط سنة ٦٥ وكان شعراؤها يردّون عليه، فيفجمهم بأهاجيه المقذعة.

وشاءت المقادير أن يلمّ بالعراق فى ولاية بشر بن مروان، فاصطدم هناك بجرير، ويقول الرواة إنه أحفظه إذ فضل الفرزدق عليه (١) وطبيعى أن يفضل الأخطل الفرزدق وينحاز له ضد شاعر قيس بل يجلب عليه، فلم يكن منشأ التفضيل الحكم الفتى من حيث هو، إنما كان منشؤه الخصومة العنيفة بين تغلب وقيس. وسرعان ما استطار الهجاء بين الشاعرين. وإذا هما يخلّفان طائفة كبيرة من النقائض، جمعها أبو تمام (٢). وقد ظلا ينظمانها منذ سنة ٧٣ إلى أن توفّى الأخطل حوالى سنة ٩٢. وهو يعدّ مع جرير والفرزدق فحول الشعر فى هذا العصر. يقول الجاحظ: «والذين هجوا فوضعوا من قدر من هجوه، ومدحوا فرفعوا من قدر من مدحوا، وهجاهم قوم فردوا عليهم، فأفحموهم، وسكت عنهم بعض من هجاهم مخافة التعرض لهم، وسكتوا عن بعض من هجاهم رغبة بأنفسهم عن الرد عليهم، وهم إسلاميون، جرير والفرزدق والأخطل» (٣)

وجميع الظواهر التى لاحظناها فى نقائض جرير والفرزدق نجدها مجسمة فى نقائض جرير والأخطل، فهما جميعا يعنيان بتاريخ القبائل فى الجاهلية والإسلام، وهما يخلطان العصبيات بالسياسة. وقد ساقت الظروف تغلب لتقف فى صفوف بنى أمية ضد قيس، على نحو ما مرّ بنا فى غير هذا الموضع، كما ساقت الأخطل التغلبى ليكون شاعر بنى أمية منذ عصر معاوية ولسانهم الناطق فى الجزيرة والعراق. وربما كانت قصيدة «خفّ القطين» للأخطل أروع نقائضه مع جرير، ونراه يستهلها بالنسيب ووصف حزنه لفراق أحبته، وهو يتبعهم طرفه مولّها، حتى ليشبّه نفسه بالسكران المنتشى، ويصف الخمر وصفا قصيرا، وهو موضوع لم يكن جرير ولا الفرزدق يلمّان به، لتحريم الإسلام للخمر، وكان الأخطل نصرانيا، فانفرد بهذا الموضوع فى شعره.


(١) ابن سلام ص ٣٨٧، ٤٠٨ وأغانى ٨/ ٣١٥ ونقائض جرير والفرزدق ص ٨٧١.
(٢) نشر صالحانى هذه النقائض فى بيروت سنة ١٠٢٢ عن مخطوطة فى الآستانة، وقد اشتملت هذه المخطوطة على بعض نقائض الشاعرين، ومن الممكن أن يستخرج من ديوانيهما نقائض أخرى لهما.
(٣) البيان والتبيين ٤/ ٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>