السالفة، ولكنها استوت عند الشاعرين فى صورة جديدة، وهى صورة معقدة، إذ اعتمدت على دراسة التاريخ القديم والحديث للقبائل ودراسة مفاخرها ومثالبها.
كما اعتمدت على استيحاء روح الإسلام وما شاع فى العصر من قدرة على الجدال والحوار، وأخذت تظهر فيها ظاهرة لم تكن شائعة فى الهجاء القديم، وهى ظاهرة التندير على المهجوّ وقبيلته، حتى تضحك المستمعين فى المربد، وحتى تمدهم بما يريدون من التسلية ومن التهليل والصياح والصفير والتصفيق.
ومن ثمّ لم يترك كل من الشاعرين شيئا يثير الضحك فى خصمه إلا أثاره، كأن يقول الفرزدق فى جرير:
يهدى الوعيد ولا يحوط حريمه ... كالكلب ينبح من وراء الدار
أو يقول فى كليب عشيرته:
يستيقظون إلى نهاق حمارهم ... وتنام أعينهم عن الأوتار (١)
أو يقول:
أتعدل أحسابا لئاما أدقّة ... بأحسابنا إنى إلى الله راجع
وكان جرير يلقاه بمثل قوله:
زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا ... أبشر بطول سلامة يا مربع
وقوله:
خذوا كحلا ومجمرة وعطرا ... فلستم يا فرزدق بالرجال
وهو يتفوق على الفرزدق فى هذا الجانب تفوقا واضحا، ومن ثم كان هجاؤه أكثر مرارة وأشد نكاية.
وساقت الظروف الأخطل شاعر تغلب ليصطدم بجرير شاعر قيس ومحاميها المناضل عنها. وكان الأخطل-كما قدمنا-يهاجى قيسا فى الحروب التى