للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرسول صلى الله عليه وسلم حدّا: أربعين جلدة، ولما وجد عمر أن بعض العرب لا يزال يتورط فى شربها رفع حدها إلى ثمانين.

وهذا كله يشهد شهادة قاطعة بانتشار هذه الآفات بين عرب الجاهلية، وفى أخبار الأعشى أنه لما سمع بالرسول صلى الله عليه وسلم رغب فى الوفود عليه بالمدينة ومديحه، وعلمت قريش فتعرضت له تمنعه، وكان مما قاله له أبو سفيان إنه «ينهاك عن خلال كلها بك رافق ولك موافق» فلما سأله عنها أجابه: الزنا والقمار والخمر، فعدل الأعشى عن وجهته (١). وعلى نحو ما هاجم الإسلام هذه الآفات هاجم قانونهم الدموى المقدس: قانون الأخذ بثأر، فهدمه هدما وأبطله إبطالا إذ جعل حقه للدولة لا للأفراد، وأقام لهم نظاما سماويّا رفيعا لمجتمعهم ليس هنا محل بحثه.

وحتى الآن لم نتحدث عن المرأة ومكانتها فى هذا المجتمع، وقد كان هناك نوعان من النساء: إماء وحرات، وكانت الإماء كثيرات، وكان منهن عاهرات يتخذن الأخدان، وقينات يضربن على المزهر وغيره فى حوانيت الخمارين، كما كان منهن جوار يخدمن الشريفات، وقد يرعين الإبل والأغنام. وكن فى منزلة دانية، وكان العرب إذا استولدوهن لم ينسبوا إلى أنفسهم أولادهن، إلا إذا أظهروا بطولة تشرفهم على نحو ما هو معروف عن عنترة بن شداد، فإن أباه لم يلحقه بنسبه إلا بعد أن أظهر شجاعة فائقة ردّت إليه اعتباره.

وكانت الحرة تقوم بطهى الطعام ونسج الثياب وإصلاح الخباء، إلا إذا كانت من الشريفات المخدومات، فإنه كان يقوم لها على هذه الأعمال بعض الجوارى.

وتدل دلائل كثيرة على أن بنات الأشراف والسادة كان لهن منزلة سامية، فكن يخترن أزواجهن، ويتركنهم إذا لم يحسنوا معاملتهن (٢). وبلغ من منزلة بعض شريفاتهن أنهن كن يحمين من يستجير بهن ويرددن إليه حريته إذا استشفع بهن، على نحو ما ردت فكيهة إلى السّليك بن السلكة حريته حين وقع أسيرا فى يد عشيرتها من بنى عوار (٣). وكانوا يعدونها جزء لا يتجزأ من عرضهم، ولم يكن شئ


(١) الأغانى (طبعة دار الكتب) ٩/ ١٢٦.
(٢) انظر الأغانى ١٠/ ١٣ وما بعدها والأمالى ٢/ ١٠٦ والمحبر ص ٣٩٨.
(٣) الأغانى (طبعة المسلمى) ١٨/ ١٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>