للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكرّى إذا نادى المضاف محنّبا ... كسيد الغضا نبّهته المتورّد (١)

وتقصير يوم الدّجن والدّجن معجب ... ببهكنة تحت الخباء المعمّد (٢)

وواضح أنه يجعل من خلال الفتى هذه الخصال الثلاث، وهى الخمر والفروسية أو الشجاعة فى الحرب والتمتع بالنساء، على أن هذه الفتوة التى يصورها طرفة كانت تتسامى عند كثير من فرسانهم مثل عنترة، بل حتى من صعاليكهم مثل عروة ابن الورد وسنعرض لذلك فى موضع آخر

ومهما يكن فقد كانت الخمر وما يتبعها من استباحة النساء شائعة فى هذا العصر، وكان يشيع معها القمار أو الميسر، وكانت عادتهم فيه أن يذبحوا ناقة أو بعيرا، ويقسموا ما يذبحونه عشرة أجزاء، ثم يأتوا بأحد عشر قدحا، يجرون عليها قمارهم، وكانوا يجعلون لسبعة منها نصيبا إن فازت، وعلى أصحابها غرم إن خابت، وأكبرها نصيبا يسمى المعلّى. أما الأربعة الباقون فلا حظّ لها حتى إن فازت.

وأكبر الدلالة على شيوع هذه الآفات بينهم الآيات الكثيرة التى هاجمتها فى القرآن الكريم وما وضعه الإسلام لها من عقاب صارم حتى يكف العرب عنها، وقد شدد فى عقوبة استباحة النساء، وأكثر من النهى عن الخمر والميسر من مثل قوله تعالى: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنّاسِ، وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما»} وقوله جل وعز: {إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ»} وقد وصف الخمر بأنها «رجس من عمل الشيطان». ونجد فى الحديث النبوى نهيا كثيرا عنها وأن الله لعنها ولعن عاصرها ومعتصرها وشاربها (٣) وقد جعل لها


(١) المضاف: الخائف المذعور، والمحنب الفرس الذى فى قوائمه أو ضلوعه انحناء قليل. والسيد: الذئب، والغضا: شجر، نبهته: هيجته، المتورد: الجرئ. يقول: إذا استغاث به خائف عطف فرسا يسرع فى عدوه إسراع ذئب الغضا الجرئ حين تهيجه.
(٢) الدجن: الغيم، البهكنة: المرأة الجميلة المعمد: المرفوع بالعماد.
(٣) انظر كتاب الأشرية فى سنن أبى داود وابن ماجة والنسائى والبخارى وراجع دائرة المعارف الإسلامية فى مادة خمر.

<<  <  ج: ص:  >  >>