للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حنكة وحكمة بالغة، وقد اشتهر من بينهم حكّام تجاوزت ألمعيتهم حدود قبائلهم (١)، مثل عامر بن الظّرب وأكثم بن صيفى، وكانت تفزع إليهم القبائل فى خلافاتها الكبيرة التى يصعب حلها فى دائرة قبائلهم وشيوخهم، وقد يفزعون فيها إلى الكهنة والعرّافين.

على أن هناك آفات كانت تشيع فى هذا المجتمع الجاهلى لعل أهمها الخمر واستباحة النساء والقمار، ونحن نجد الخمر تجرى على كل لسان، وقد اشتهر بالحديث عنها وعن كئوسها ودنانها وحوانيتها ومجالسها أعشى قيس وعدى بن زيد العبادى الحيرىّ، وعرض لها كثيرون فى أشعارهم مفاخرين بأنهم يحتسونها ويقدمونها لرفاقهم. وأكثر من كان يتجر بها اليهود والنصارى، وكانوا يجلبونها لهم من بصرى وبلاد الشام ومن الحيرة وبلاد العراق، ويقال إنهم كانوا يضربون خيامهم فى بعض الأحياء أو فى بعض القرى ويضعون فوقها راية تعلن عنهم، فيأتيهم الشباب ليشربوا وليسمعوا بعض القيان ممن يصاحبنهم. وكان من الشباب من يدمن عليها حتى تنفر منه قبيلته، وقد تخلعه لما يتدنّى فيه من رذائل، على نحو ما يروى عن البرّاض ابن قيس الكنانى أحد أدلاّء القوافل فى الجاهلية، إذ كان سكّيرا فاسقا، فخلعه قومه وتبرأوا منه (٢)، ويقول طرفة فى معلقته:

ومازال تشرابى الخمور ولذتى ... وبيعى وإنفاقى طريفى ومتلدى (٣)

إلى أن تحامتنى العشيرة كلها ... وأفردت إفراد البعير المعبّد (٤)

ولولا ثلاث هن من عيشة الفتى ... وجدّك لم أحفل متى قام عوّدى (٥)

فمنهن سبق العادلات بشربة ... كميت متى ما تعل بالماء تزبد (٦)


(١) انظر فى حكام العرب كتاب المحبر ص ١٣٢.
(٢) أغانى (طبعة الساسى) ١٩/ ٧٥.
(٣) الطريف: المال الحديث، والمتلد: المال القديم.
(٤) تحامتنى: تجنبتنى، المعبد: الأجرب.
(٥) عود: جمع عائد أو عائدة، ويقصد من يعودونه عند الوفاة ويبكونه، والجد: الحظ والبخت.
(٦) الكميت: الخمر، يقول إنه يباكر شرب الخمر قبل انتباه العواذل.

<<  <  ج: ص:  >  >>