للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله:

ترى الناس ما سرنا يسيرون خلفنا ... وإن نحن أومأنا إلى الناس وقّفوا (١)

وقوله:

إن الذى سمك السماء بنى لنا ... بيتا دعائمه أعزّ وأطول (٢)

حلل الملوك لباسنا فى أهلنا ... والسّابغات إلى الوغى نتسربل (٣)

أحلامنا تزن الجبال رزانة ... وتخالنا جنّا إذا ما نجهل (٤)

فادفع بكفّك-إن أردت بناءنا- ... ثهلان ذا الهضبات هل يتحلحل (٥)

والحق أن الفرزدق كان نبعا كبيرا من ينابيع الشعر، وهو نبع كان يتدفق من نفس صلبة، ولعل ذلك ما جعل الالتواء والشذوذ يكثر فى أساليبه، من مثل قوله المشهور فى مديح إبراهيم بن هشام المخزومى خال هشام بن عبد الملك:

وما مثله فى الناس إلا مملّكا ... أبو أمّه حىّ أبوه يقاربه

فإن البيت لا يفهم إلا إذا رتبنا كلماته ترتيبا طبيعيّا على هذا النحو:

«وما مثله (الممدوح) فى الناس حىّ يقاربه إلا مملكا أو ملكا (هو هشام بن عبد الملك) أبو أمه أبوه. وكان يضيف إلى ذلك شواذ نحوية كقوله:

وعضّ زمان يابن مروان لم يدع ... من المال إلا مسحتا أو مجرّف (٦)

وكان القياس أن يقول مجرفا بالنصب، ولكنه رفع على الاستئناف تمشيا مع روىّ قصيدته. وكان ابن أبى إسحق الحضرمى يراجعه فى ذلك ومثله كثيرا، فكان يسخر منه. وقد عدّه اللغويون أحد مصادر اللغة، حتى قالوا: «لولا شعره لذهب ثلث لغة العرب» ومن ثمّ دارت أشعاره فى كتب اللغويين والنحاة كما دارت فى كتب التاريخ والأخبار لحديثه عن أيام العرب ومناقبهم ومثالبهم


(١) وقفوا: وقفت ركائبهم لا يتقدمون.
(٢) سمك: رفع.
(٣) السابغات: الدروع الكاملة. نتسربل: نلبس.
(٤) نجهل هنا: نغضب حمية.
(٥) ثهلان: جبل. يتحلحل: يتحرك.
(٦) المسحت والمجرف: المهلك المستأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>