للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويحتدم بينهما الهجاء طوال حياتهما، ويقال إنه ظل يهجوه وهو مقيم بالمروّت من بادية اليمامة بضع سنوات، فأرسلت بنو يربوع إليه: إنك مقيم بالمروت، ليس عندك أحد يروى عنك، والفرزدق بالعراق قد ملأها عليك، فانحدر إلى العراق، فأقام بالبصرة، منشدا:

وإذا شهدت لثغر قومى مشهدا ... آثرت ذاك على بنىّ ومالى

ويظهر أن إقامته بالبصرة بدأت مع دخول العراق فى طاعة ابن الزبير إذ نجد واليه الحارث بن عبد الله بن أبى ربيعة الملقب بالقباع (٦٥ - ٦٦ هـ‍) يأمر-حين رآه يتواقف مع الفرزدق بالمربد-صاحب شرطته عبّاد بن الحصين بهدم داريهما، فيهدم الدارين جميعا ويطلبهما، وفى ذلك يقول الفرزدق:

أحارث دارى مرّتين هدمتها ... وكنت ابن أخت لا تخاف غوائله

ويقول جرير:

وما فى كتاب الله هدم بيوتنا ... كتهديم ماخور خبيث مداخله

ولم يتهاج جرير مع الفرزدق وحده، فقد تهاجى-كما أسلفنا-مع كثير من الشعراء، ويقول صاحب الأغانى نقلا عن الأصعمى إنه كان ينهشه ثلاثة وأربعون شاعرا، فينبذهم وراء ظهره، ويرمى بهم واحدا واحدا، ويقول فى موضع آخر إنه كان يهاجيه ثمانون شاعرا غلبهم جميعا وكان يقول: إنهم يبدءوننى ثم لا أعفو، كما كان يقول: إننى لا أبتدئ ولكن أعتدى، ويروى أن الراعى سمع راكبا يتغنى:

وعاو عوى من غير شئ رميته ... بقافية أنفاذها تقطر الدّما (١)

خروج بأفواه الرّواة كأنها ... قرا هندوانىّ إذا هزّ صمّما (٢)


(١) أنفاذ: جمع نفذ وهو الكلم الذى تحدثه الطعنة.
(٢) خروج: كثيرة الخروج؛ يريد أنها كثيرة الإنشاد. قرا: متن وظهر. الهندوانى: السيف؛ كانوا يجلبون سيوفهم الجيدة من الهند. صمم: قطع اللحم وبرى العضم.

<<  <  ج: ص:  >  >>