للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فسأل عن صاحب البيتين، فقيل له جرير، فقال: والله لو اجتمع الجن والإنس على صاحب هذين البيتين ما أغنوا فيه شيئا، هل ألام على أن يغلبنى مثل هذا الشاعر؟ . وكان لا يزال بخصومه يطعنهم طعنات مسمومة فى نساء عشائرهم، كقوله فى نساء عشيرة سراقة البارقى، وكان ممن رفعوا الفرزدق عليه:

يعطى النساء مهورهن كرامة ... ونساء بارق مالهن مهور

ولم يثبت له-كما أسلفنا-سوى الفرزدق والأخطل، وثبت له عمر بن لجأ التّيمى إلى حين ويقال إنهما وفدا على المدينة، وعليها عمر بن عبد العزيز، وقيل ابن حزم، وتصادف أن حجّ الوليد بن عبد الملك، فسمع بأنهما يتهاجيان، فأمر بأن يضربا تأديبا، فضربا وأقيما على السلس (١) مقرونين. وعادا إلى العراق، وجرير يرميه وعشيرته بمثل قوله:

قوم إذا حضر الملوك وفودهم ... نتفت شواربهم على الأبواب

واستغاثت تيم بجرير وتوسلت إليه وتضرّعت أن يكفّ عنها، فكفّ بعد أن ثلبها وشاعرها ثلبا قبيحا. وويل للعشيرة التى كانت تتعرض له، روى الرواة أن الفرزدق أتى مجلس بنى الهجيم فى مسجدهم، فأنشدهم، وبلغ ذلك جريرا، فأتاهم من الغد لينشدهم كما أنشدهم الفرزدق، فتعرض له شيخ منهم قائلا له:

اتّق الله، فإن هذا المسجد بنى لذكر الله والصلاة، فانصرف عنهم مغضبا، وهو يقول:

إن الهجيم قبيلة ملعونة ... حصّ اللّحى متشابهو الألوان (٢)

لو يسمعون بأكلة أو شربة ... بعمان أصبح جمعهم بعمان

متوركين بنيهم وبناتهم ... صعر الأنوف لريح كلّ دخان (٣)


(١) البلس: غرائر كبار تحشى تبنا، كان يرفع عليها الجناة تشهيرا لهم وتأديبا.
(٢) الأحص: قليل الشعر فى ذقنه وعارضيه.
(٣) متوركين: يريد أنهم يحملون بناتهم وبنيهم ويذهبون يسألون بهم. صعر: جمع أصعر وهو الذى ينظر بوجهه لاويا عنقه.

<<  <  ج: ص:  >  >>