للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وظل جرير إلى أوائل عصر الحجاج (٧٥ - ٩٥ هـ‍) لا يعرف من الشعر سوى الفخر والهجاء وما يقدّم لهما من الغزل ووصف الصحراء، حتى إذا أظلّه هذا العصر، وصار حكم العراق لقيس وصاحبها الحجاج رأيناه يقدم على صهره وابن عمه الحكم بن أيوب الثقفى نائبه على البصرة، فيمدحه برجز، يقول فيه:

خليفة الحجّاج غير المتّهم ... فى معقد العزّ وبؤبؤ الكرم (١)

واستنطقه فأعجبه ظرفه وشعره، فكتب إلى الحجاج يخبره عنه، فكتب إليه أن ابعث به إلىّ، فقدم عليه، فأكرمه. وسرعان ما عاش له جرير يمدحه مدائح رائعة من مثل قوله:

من سدّ مطّلع النفاق عليكم ... أم من يصول كصولة الحجّاج (٢)

أم من يغار على النّساء حفيظة ... إذ لا يثقن بغيرة الأزواج (٣)

إنّ ابن يوسف فاعلموا وتيقّنوا ... ماضى البصيرة واضح المنهاج

ماض على الغمرات يمضى همّه ... والليل مختلف الطرائق داجى (٤)

منع الرّشا وأراكم سبل الهدى ... والّلصّ نكّله عن الإدلاج (٥)

وإذا رأيت منافقين تخيّروا ... سبل الضّجاج أقمت كل ضجاج (٦)

داويتهم وشفيتهم من فتنة ... غبراء ذات دواخن وأجاج (٧)

ولقد كسرت سنان كلّ منافق ... ولقد منعت حقائب الحجّاج

وهو يمدحه بالصفات التى يجلّها العرب من قديم، وبصفات أخرى تتصل بسياسته وولايته للعراق، إذ يقول إنه سد ثغور النفاق، مع شجاعة فائفة ومحافظة على الذمام. ويقول إنه نافذ البصيرة واضح السياسة، يعرف كيف يخرج من الغمرات والشدائد، ويصوّر كيف أقام العدل فى الناس ومنع


(١) بؤبؤ: أصل.
(٢) المطلع: المنفذ من أعلى، أو المصعد.
(٣) الحفيظة: الغضب.
(٤) الغمرات: الشدائد. داجى: مظلم.
(٥) الإدلاج: السير ليلا.
(٦) الضجاج: الباطل.
(٧) الأجاج هنا: من أجة النار. والدواخن: جمع داخن وهو الدخان

<<  <  ج: ص:  >  >>