للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرشوة وقضى على اللصوص وقطّاع الطريق فى الليل المدلهم. ويقول إنه قوّم كل مائل وباطل، وإنه داوى النفوس المريضة وحطم أسنة المنحرفين عن الدولة ولم يعد هناك أحد ممن يعيثون فى الأرض فسادا. ويقضى الحجاج على ثورة ابن الأشعث سنة ٨٢ فينوّه بانتصاره عليه قائلا:

دعا الحجّاج مثل دعاء نوح ... فأسمع ذا المعارج فاستجابا (١)

صبرت النفس يابن أبى عقيل ... محافظة فكيف ترى الثّوابا

ولو لم يرض ربّك لم ينزّل ... مع النّصر الملائكة الغضابا

إذا سعر الخليفة نار حرب ... رأى الحجّاج أثقبها شهابا

وكان عبد الملك بن مروان فى دمشق يفسح فى مجالسه للأخطل شاعر تغلب النصرانى. وينقل إليه شعر جرير فى الحجاج فيغبطه عليه لروعة شعره ومهارته فى المديح. ورأى الحجاج أن يهديه إليه، ووجد عند جرير رغبة صادقة فى أن يمثل بمديحه بين يديه، فصحبه معه فى وفادته التى وفدها على عبد الملك، ويقال: بل بعث به إليه مع ابنه محمد، فأذن له فى النشيد، فبدأ فأنشد مدائحه فى الحجاج واحدة بعد واحدة، ثم أنشده قصيدته التى يقول فى استهلالها:

تعزّت أمّ حزرة ثم قالت ... رأيت الموردين ذوى لقاح (٢)

تعلّل، وهى ساغبة، بنيها ... بأنفاس من الشّبم القراح (٣)

سأمتاح البحور فجنّبينى ... أذاة اللوم وانتظرى امتياحى (٤)

وخرج من ذلك إلى مديح عبد الملك، فقال

وإنى قد رأيت علىّ حقّا ... زيارتى الخليفة وامتداحى

ألستم خير من ركب المطايا ... وأندى العالمين بطون راح (٥)


(١) كان دعاء نوح: (رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا، إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا) ذو المعارج: الله جل جلاله.
(٢) الموردون: أصحاب الإبل يوردونها الماء. ولقاح: جمع لقحة وهى الناقة فى أول نتاجها. أم حزرة: إحدى زوجاته.
(٣) تعلل أبناءها: تشغلهم. ساغبة: جائعة. النفس من الماء: الجرعة. الشبم: البارد. القراح: الصافى.
(٤) أمتاح: أستقى من الميح وهو العطاء.
(٥) أندى: أجود.

<<  <  ج: ص:  >  >>