للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يلبث أن أخذ يهاجم من ثار على عبد الملك مثل عمرو الأشدق بن سعيد بن العاص. ووقف عند عبد الله بن الزبير يصوّر فتنته وكيف قضى عليه عبد الملك قضاء مبرما. ومضى يمدح عبد الملك وأسرته وأنهم الجديرون من بين القرشيين بالخلافة، منوها بانقياد الأمة له واجتماعها تحت لوائه، يقول:

وقوم قد سموت لهم فدانوا ... بدهم فى ململمة رداح (١)

أبحت حمى تهامة بعد نجد ... وما شئ حميت بمستباح (٢)

دعوت الملحدين أبا خبيب ... جماحا، هل شفيت من الجماح (٣)

فقد وجدوا الخليفة هبرزيّا ... ألفّ العيص ليس من النواحى (٤)

فما شجرات عيصك فى قريش ... بعشّات الفروع ولا ضواحى (٥)

رأى الناس البصيرة فاستقاموا ... وبيّنت المراض من الصّحاح (٦)

وأعجب عبد الملك بجرير إعجابا شديدا فأعطاه مائة من الإبل وثمانية من الرعاة ومحلبا من فضة. وجرير فى هذه القصيدة ليس مادحا فحسب، بل هو محام عن عبد الملك وحكمه، يدافع عن حقه فى الخلافة، ويهاجم خصومه هجوما عنيفا، وقد مضى بقية حياته يقرر فى مدائحه لعبد الملك ومن خلفوه حقهم فى الخلافة على الناس، وهو من هذه الناحية يعدّ شاعرا سياسيا بالمعنى التام، شاعرا يحامى عن نظرية الأمويين فى الحكم ويناضل عنهم وما يزال يسدّد سهامه إلى خصومهم، وهو فى تضاعيف ذلك يحفّهم بإطار رائع من التقوى والعمل الصالح، مقررا أن شيعتهم على الحق، وأن من يخالفهم من الشّيع أهل باطل وضلال وأهواء وبدع، يقول فى عبد الملك:

لولا الخليفة والقرآن نقرؤه ... ما قام للناس أحكام ولا جمع


(١) دانوا: أطاعوا. الدهم: الجيش الكثير. ململمة: مجتمعة. رداح: ضنخمة. يقصد من ثاروا عليه.
(٢) يريد عبد الله بن الزبير وغلبة عبد الملك على ما كان فى يديه من نجد والحجاز.
(٣) أبو خبيب: ابن الزبير: الجماح: العناد والخلاف.
(٤) هبرزيا: نافذا فى الأمور ماضيا. ألف: ملتف. العيص: الشجر. يريد أنه فى صميم العز وليس فى نواحيه.
(٥) الشجرة عشة الفروع: دقيقة الأغصان. والضاحية: بادية العيدان ولا ورق عليها.
(٦) بينت: تبينت.

<<  <  ج: ص:  >  >>