للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسرعان ما توفّى عمر، فندبه ندبا حارّا، يصور فجيعة الأمة فيه حتى ليقول إن الشمس تبكيه مدى الدهر:

تنعى النّعاة أمير المؤمنين لنا ... يا خير من حجّ بيت الله واعتمرا

حمّلت أمرا عظيما فاصطبرت له ... وقمت فيه بأمر الله يا عمرا

فالشمس كاسفة ليست بطالعة ... تبكى عليك نجوم الليل والقمرا (١)

ويتولّى يزيد بن عبد الملك، ويثور عليه فى العراق يزيد بن المهلب، ويقضى على ثورته مسلمة، ويصيح به جرير مرارا فى قصائد مدح بها يزيد ابن عبد الملك، بنفس الصورة المثالية التى صور بها سابقيه من الخلفاء، من مثل قوله:

زان المنابر واختالت بمنتجب ... مثبّت بكتاب الله منصور

ويصفه بالعدل وأنه ورث الملك عن آبائه بعهد منهم. ودائما ينوّه فى مديحه لهم بهذا العهد، فليست الخلافة عامة فى الأمة ولا فى قريش، بل هى وراثية فى بنى أمية تتوالى فيهم بعهود موثقة. وآخر من مدحهم منهم هشام بن عبد الملك، وفيه يقول فى آخر قصيدة مدحه بها، وقد أرسلها إليه مع ابنه عكرمة:

إلى المهدىّ نفزع إن فزعنا ... ونستسقى بغرّته الغماما

وحبل الله يعصمكم قواه ... فلا نخشى لعروته انفصاما (٢)

ومدح جرير بجانب الخلفاء كثيرا من أبنائهم، فهو يمدح مسلمة بن عبد الملك وعبد العزيز بن الوليد وأخاه العباس وأيوب بن سليمان ومعاوية بن هشام، ودائما ينوّه بالأسرة وأن الله اختارها للأمة، فإذا قلنا بعد ذلك إنه عاش منذ عرف عبد الملك داعية للأمويين لم نكن مبالغين. وليس له فى سواهم إلا مدائح قليلة فقد مدح الحجاج وصهره الحكم بن أيوب كما قدمنا، ومدح خالدا القسرى مستشفعا للفرزدق كى يطلقه، ومدح بعض أشراف قيس وتميم مثل المهاجر بن


(١) يريد بقوله نجوم الليل والقمر أبد الآبدين.
(٢) قوى الحبل: طاقاته.

<<  <  ج: ص:  >  >>