للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عبد الله الكلابى والجنيد بن عبد الرحمن المرّى وهلال بن أحوز المازنى الذى نكّل بآل المهلب فى ثورتهم. ويظل أضخم صوت فى ديوانه تغنّى به مادحا صوته فى الأمويين. ولعل فيما قدمنا ما يدل على أنه لم يكد يلم بهذا الفن من فنون الشعر حتى برّز فيه على أقرانه، وبدون شك كان يسبق فيه الفرزدق، وفى رأينا كما قدمنا أنه كان فيه مع الأخطل فرسى رهان، بل لقد كان يتقدمه فى كثير من الأحيان بعذوبة لفظه، وأيضا بما كان يضع حول ممدوحيه من إطار الإسلام ومثاليته الكريمة.

ودائما يتقدم جرير الأخطل والفرزدق جميعا فى الموضوعات التى تتطلب دقة فى الإحساس ورقة فى الشعور، إذ كان الأخطل متكلفا يصطنع الوقار، وكان الفرزدق-كما أسلفنا-صاحب نفس خشنة صلبة، ولذلك تفوق فى الفخر وساعده أن وجد مادة غزيرة من مناقب عشيرته وآبائه هيأته ليرسل كلماته كأنها العواصف القاصفة والصواعق المدمّرة. أما جرير فلم يكن لعشيرته ولا لآبائه شئ من المآثر الحميدة، فانطوت نفسه على حزن عميق صفىّ جوهرها، وزاد فى هذا الصفاء تأثره بالإسلام إذ كان ديّنا عفيفا طاهر النفس.

واقرأ رثاءه لزوجته أم حزرة، إذ يقول:

لولا الحياء لعادنى استعبار ... ولزرت قبرك والحبيب يزار

ولّهت قلبى إذ علتنى كبرة ... وذوو التمائم من بنيك صغار

ولقد أراك كسيت أجمل منظر ... ومع الجمال سكينة ووقار

صلّى الملائكة الذين تخيّروا ... والصالحون عليك والأبرار

فإنك تحس تفجعه المرير، لقيام سور الموت الصفيق بينها وبينه هو وأولادها، وهو يدعو لها دعاء المسلم المؤمن قلبه، محيّيا فيها جمالها وخلقها الرفيع. وتدل دلائل كثيرة على أن علاقاته بزوجاته: أم حزرة هذه وأمامة التى أهداها إليه الحجاج وأم حكيم الديلمية أم ابنيه بلال ونوح، كانت علاقات ودّ ومحبة.

ولم تنشز عليه سوى جارية اشتراها بأخرة، وقد عابت عليه عيشه وكبرة سنه، ففارقها راضيا. أما زوجاته المذكورات فكن يبادلنه ودّا بود، وقد اتخذهن

<<  <  ج: ص:  >  >>