للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

موضوعا لغزله الرقيق الذى كان يقدّم به بين يدى قصائده ونقائضه. وأتاح له صفاء نفسه وانطواؤها على الحزن أن يبلغ من هذا الغزل كل ما يريد من تصوير الحب الخالص الطاهر، إذ ما يزال فيه يتلطف ويستعطف ويشكو ويتضرّع على شاكلة قوله:

بنفسى من تجنّبه عزيز ... علىّ ومن زيارته لمام (١)

ومن أمسى وأصبح لا أراه ... ويطرقنى إذا هجع النّيام

وقوله:

لقد كتمت الهوى حتى تهيّمنى ... لا أستطيع لهذا الحب كتمانا

إن العيون التى فى طرفها مرض ... قتلننا ثم لم يحيين قتلانا

يصرعن ذا اللّبّ حتى لا حراك به ... وهن أضعف خلق الله أركانا

أتبعتهم مقلة إنسانها غرق ... هل ما ترى تارك للعين إنسانا (٢)

وكان إذا هجا نساء من يهجونه أصبح سما ذعافا لا يطاق، فإذا أشاد بنساء عشيرته أو بنساء عشيرة النّوار زوجة الفرزدق إغاظة له وكيدا نثر فوقهن زهور شعره، واصفا خلقهن الكريم وجمالهن الباهر الذى يشغف القلوب، ومن بارع قوله فى نساء عشيرة النّوار:

وهنّ كماء المزن يشفى به الصّدى ... وكانت ملاحا غيرهن المشارب (٣)

ولعل شاعرا قديما لم يستطع أن يصف عواطف الأبوة وحنانها تلقاء الولد على نحو ما صوّر ذلك فى هذه المقطوعة التى يصوّر فيها حبه لابنه بلال:

إن بلالا لم تشنه أمّه ... يشفى الصّداع ريحه وشمّه (٤)

ويذهب الهموم عنى ضمّه ... ينفح ريح المسك مستحمّه

يمضى الأمور وهو سام همّه ... بحر البحور واسع مجمّه (٥)

يفرّج الأمر ولا يغمّه ... فنفسه نفسى وسمّى سمّه (٦)


(١) يريد أن طيفها يزوره وهو نائم فى الحين بعد الحين.
(٢) إنسان العين. سواد حدقتها.
(٣) المزن: السحاب. الصدى: العطش.
(٤) يشير إلى أن أمه أعجمية، ولم تشنه عجمتها.
(٥) المجم: الصدر.
(٦) يغمه: يبهمه ويستره.

<<  <  ج: ص:  >  >>