الطويلة عاد قرير العين بها سعيدا، فلا يسألها أين كانت لأنها موضع ثقته
وتدور فى كتب الأدب قصص وأشعار كثيرة تصور هيام بعضهم بهن، وكانوا دائما يفتتحون قصائدهم بذكرهن وما كان لهم من ذكريات معهن فى بعض المعاهد والمنازل، ويمزجون ذلك بالدموع، على نحو ما يقول امرؤ القيس فى مطلع معلقته:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ... بسقط اللّوى بين الدّخول فحومل
فالمرأة لم تكن فى الجاهلية مهملة، بل كان لها قدرها عندهم، كما كان لها كثير من الحرية، فكانت تمتلك المال وتتصرف فيه كما تشاء، وقصة اتجار الرسول صلى الله عليه وسلم فى أموال السيدة خديجة أم المؤمنين مشهورة. وقد دعم الإسلام هذه الحرية، فحرم أن تعضل المرأة وتمنع من الزواج بعد وفاة زوجها كما حرم زواج المقت، وهو أن يجمع الرجل بين أختين، وحرم الشّغار، وهو أن يتزوج شخص أخت صديق له على أن يزوجه أخته، وأيضا فإنه حرم أن يتزوج الابن امرأة أبيه بعد موته أو أن يتزوج عدة رجال امرأة واحدة، إلى غير ذلك مما كانوا يبيحونه. وتلك كانت عادات عندهم، وهى تلازم الأمم فى عصور بداوتها، ولكن ينبغى أن لا نفهم منها أن المرأة كانت مهدرة الحقوق فى الجاهلية، أما ما سجله عليهم القرآن الكريم من وأدهم للبنات فى قوله تعالى:{وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ، يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ»} فأكبر الظن أن من كانوا يصنعون ذلك منهم أجلاف قساة القلوب كانوا يخشون عليهن من الفقر أو السبى، إذ كان سباؤهن كثيرا فى الجاهلية، وكانوا يعدون ذلك سبّة ما بعدها سبة.