للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سبب نعته بالرّقيّات، وأصوب الآراء أنه كان يشبّب بغير فتاة تسمى رقية، فنعت بالرقيات إشارة إلى ذلك. وهو قرشى من بنى عامر بن لؤى، ولد بمكة فى العقد الثالث للهجرة لقيس ابن شريح بن مالك بن ربيعة (النويعم) بن أهيب بن ضباب بن حجير بن عبد بن معيص بن عامر بن لؤى. وأقدم أخباره تشير إلى ملازمته لبعض المغنين وتصفحه لبعض النساء فى الحج، ولم تكد تقع عينه على رقية بنت عبد الواحد بن أبى سعد أحد أفراد عشيرته الذين هاجروا مع طائفة منها إلى الجزيرة سنة سبع وثلاثين حتى شغف بها، وسرعان ما أخذ ينظم فيها أشعاره.

ويظهر أنه تحول عن مكة إلى المدينة وأقام بها طويلا، ولعل الذى دفعه إلى ذلك تعلقه بالمغنين والمغنيات. ويسوق صاحب الأغانى أخبارا له مع سائب خاثر وبديح وفند، وهم من مغنى المدينة المشهورين، ونراه يذكر فى بعض شعره دارا له بها (١)، ويبدو أنه لم ينزلها وحده، بل نزلها مع أخيه عبد الله ونفر من عشيرته. وفى اختلاطه بالمغنين ما يدل على أنه كان يحيا حياة لاهية فى المدينة، ونراه يشكو من مروان بن الحكم الذى كان يعقب معاوية بينه وبين سعيد بن العاص فى حكمها، إذ كان كل منهما يليها فترة وكانت فى مروان شدة وغلظة فكان إذا ولى يأخذ المغنين ودورهم بالضبط الشديد، ومن ثمّ تعرّض له ابن قيس يصف شدته وقسوته (٢)، وهو فى أثناء ذلك ينظم مقطوعاته فى الغزل، ويترنّم بها المغنون والمغنيات، ويستحسنها الناس استحسانا شديدا.

ونراه يرحل إلى الجزيرة فى أثناء حكم يزيد بن معاوية، ويظهر أنه أراد الابتعاد عن المدينة فى تلك الفترة التى ثارت فيها على يزيد. وهناك جاءته الأنباء بموقعة الحرّة وأن طائفة من أهل بيته قتلوا فيها من بينهم أسامة وسعد ابنا أخيه عبد الله، فهزته تلك الأنباء هزّا عنيفا، فإذا هو يبكى من ماتوا من أهله بكاء حارّا، يقطر بالتورة على يزيد وبنى أمية، يقول:

إن الحوادث بالمدينة قد ... أوجعننى وقرعن مروتيه (٣)


(١) الديوان (طبعة بيروت) ص ٢٤.
(٢) الديوان ص ١٧٧ والأغانى ٥/ ٧٢ وما بعدها.
(٣) المروة: حجر أبيض تقدح منه النار. وهو مثل يضرب لمن نزل به شر.

<<  <  ج: ص:  >  >>