بالقرب من عرفات منذ منتصف ذى القعدة إلى نهايته، ولم تكن سوق تجارة فحسب، بل كانت سوقا للخطابة والشعر أيضا، وقد استمع فيها الرسول صلى الله عليه وسلم إلى قسّ بن ساعدة وهو يخطب فى الناس. وقالوا إنه كانت تقام للنابغة فيها قبّة ويفد عليها الشعراء يعرضون شعرهم، فمن أشاد به طار اسمه. وكثيرا ما كانوا يفتدون الأسرى فيها وتدفع الديات، وأيضا كثيرا ما كانت تقوم المفاخرات والمنافرات. وعرف غير واحد بأن الناس كانوا يحتكمون إليه فيها، ويذكر فى هذا الصدد أناس من تميم مثل الأقرع بن حابس. ومعنى ذلك كله أن عكاظا كانت أشبه بمؤتمر كبير للعرب، فيه يجتمعون وينظرون فى خصوماتهم ومنازعاتهم، وكل ما يتصل بهم من شئون. ومن أسواق قريش أيضا ذو المجاز بالقرب من عكاظ، وكانت تظل هذه السوق منعقدة إلى نهاية الحج.
وبجانب هاتين السوقين الكبيرتين كان للعرب أسواق أخرى كثيرة يمترون فيها ما يريدون ويشترون ويبيعون، ومن أهمها سوق دومة الجندل فى شمالى نجد وسوق خيبر وسوق الحيرة وسوق الحجر باليمامة وسوق صحار ودبا بعمان وسوق المشقر بهجر وسوق الشحر وسوق حضرموت وسوق صنعاء وعدن ونجران. وكان لكل سوق من هذه الأسواق وقت معلوم تعقد فيه (١).
ولم يكن عرب نجد يفيدون من هذه الأسواق فقط البيع والشراء فإن قوافل عروضها القرشية وغيرها كانت تجعل لكثيرين منهم جعلا نصير حمايتها، وكانت تتخذ منهم الخفراء والأدلاء، فتنفحهم بأموالها. على أنه ينبغى أن لا نظن أن أهل مكة جميعا كانوا أثرياء، فقد كان بجانب الأثرياء فقراء وصعاليك كثيرون، وكان الفرق شاسعا بين ثراء السيد الشريف وفقر المعوز البائس، كما كان بها رقيق كثير.
ووراء المجتمع المكى كان يعيش البدو فى تهامة ونجد وصحراء النفود وبوادى الشام والدهناء والبحرين معيشة بدوية تعتمد على رعى الأغنام والأنعام. وكانوا لا يفضلون شيئا على حياتهم الرعوية البدوية، لا يفضلون الزراعة ولا الصناعة، بل يحتقرونهما ويزدرونهما، فلا حياة مثل حياتهم حياة البساطة والحرية التى
(١) انظر فى أسواق الجاهلية كتاب المحبر ص ٢٦٣، واليعقوبى ١/ ٣١٣ وتاريخ العرب قبل الإسلام لجواد على ٤/ ٢٢٣.