للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ألا يا عين لا ترقى وجودى ... بدمعك ليس ذا حين الجمود (١)

وكيف تضنّ بالعبرات عينى ... وتطمع بعد زيد فى الهجود (٢)

وكيف لها الرّقاد ولم ترائى ... جياد الخيل تعدو بالأسود

بأيديهم صفائح مرهفات ... صوارم أخلصت من عهد هود

بها نسقى النفوس إذا التقينا ... ونقتل كلّ جبار عنيد

ونحكم فى بنى الحكم العوالى ... ونجعلهم بها مثل الحصيد (٣)

وعلى هذا النحو كان كل شاعر شيعى يطوى فى نفسه حزنا عميقا على أئمته المستشهدين ورغبة عنيفة فى سفك دماء من قتلوهم، ولكن أنّى ذلك وسيوف بنى أمية بالمرصاد لكل من يخرج عليهم. وإنهم ليتعقبون هم وولاتهم أحياءهم ويعدّون أنفاسهم عدّا. ومن ثم نشأت بين الشيعة نظرية مشهورة هى نظرية التقية، فمن حق الشيعى أن يخفى عقيدته ويكتمها، حتى لا يعرّض نفسه للخطر بل لا مانع من مصانعة خصومه أحيانا على نحو ما سنرى عند كثيّر والكميت عما قليل، إذ مدحا بنى أمية، وهما يكنّان لهم العدواة والبغضاء.

وهذان المنزعان من بكاء الشهداء والتحريض على قتل من قتلوهم كان ينطوى فيهما حقد شديد على الأمويين، وهو حقد ينتهى أحيانا إلى دعوة الناس شيعيين وغير شيعيين للثورة عليهم على نحو ما نجد عند الكميت حين ولىّ خالد القسرى أخاه أسدا على خراسان سنة ١١٧ فإنه أرسل إلى أهل مرو يستحثهم على الثورة بأبيات، يقول فيها (٤):

ألا أبلغ جماعة أهل مرو ... على ما كان من نأى وبعد

رسالة ناصح يهدى سلاما ... ويأمر فى الذى ركبوا بجدّ

فلا تهنوا ولا ترضوا بخسف ... ولا يغرركم أسد بعهد

وإلا فارفعوا الرايات سودا ... على أهل الضّلالة والتعدّى


(١) ترقى: من رقأ الدمع إذا جف وسكن. جمود العين: بخلها بالدمع.
(٢) الهجود: النوم.
(٣) بنو الحكم: بنو مروان بن الحكم. العوالى: الرماح. الحصيد: الزرع المحصود
(٤) طبرى ٥/ ٤٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>