للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا كانت قلوب الشيعة على هذا النحو تمتلئ بالحقد والغيظ على بنى أمية فقد كانت تمتلئ بالحبّ لآل البيت حبّا يملك على نفوسهم أهواءها وعواطفها وإحساساتها ومشاعرها، على شاكلة قول أبى الأسود الدّؤلى وقد عابه قوم بتشيعه: (١)

أحبّ محمدا حبّا شديدا ... وعبّاسا وحمزة والوصيّا (٢)

أحبهم لحب الله حتى ... أجئ إذا بعثت على هويّا (٣)

هوى أعطيته منذ استدارت ... رحى الإسلام لم يعدل سويّا (٤)

بنو عم النبىّ وأقربوه ... أحبّ الناس كلّهم إليّا

فإن يك حبّهم رشدا أصبه ... ولست بمخطئ إن كان غيّا

ويقول عبد الله بن كثيّر السّهمى فى نفس المعنى (٥):

إن امرءا أمست معايبه ... حبّ النبىّ لغير ذى ذنب

وبنى أبى حسن ووالدهم ... من طاب فى الأرحام والصّلب

أيعدّ ذنبا أن أحبّهم ... بل حبّهم كفّارة الذنب

فهم يحبون آل البيت لجدهم صلوات الله عليه، وهو حب دفعهم دفعا إلى استشعار التقوى وعبادة الله حق عبادته، بل لقد دفع نفرا منهم إلى الزهد فى الحياة ومتاعها الزائل، على نحو ما سنرى عند أبى الأسود الدؤلى فى حديثنا عن شعراء الزهد، ومما يصور ذلك قول حرب بن المنذر بن الجارود، وكان بتشيع، فى كلمة له (٦):

فحسبى من الدنيا كفاف يقيمنى ... وأثواب كتّان أزور بها قبرى (٧)

وحبّى ذوى قربى النبىّ محمّد ... فما سالنا إلا المودّة من أجر (٨)


(١) المبرد ص ٥٥٤.
(٢) يريد بالوصى على بن أبى طالب، إذ كان الشيعة كما قلنا مرارا يعتقدون أن النبى أوصى له بالخلافة.
(٣) على هويا: على هواى
(٤) لم يعدل سويا: لا مثيل له.
(٥) البيان والتبيين ٣/ ٣٦٠.
(٦) البيان والتبيين ٣/ ٣٦٥.
(٧) الكفاف: القوت القليل لا فضل فيه.
(٨) سالنا بالتخفيف: لغة فى سأل. وهو يشير إلى الآية الكريمة: (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى).

<<  <  ج: ص:  >  >>