للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويودون لو استطاعوا نقض هذا الضيم والخلوص من هذا الذل. وكان ممن تجسّدت فيه هذه المشاعر من أشراف الكوفة عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث الذى يرجع فى نسبه إلى ملوك كندة الأقدمين، وكان من أشد العرب إحساسا بشرفه وإعجابا بنفسه وتيها وخيلاء. وواتته الفرصة كى يقود هذه الثورة التى كانت تغلوبها نفوس الأشراف فى الكوفة، ذلك أن عبيد الله بن أبى بكرة عامل سجستان أخفق فى حملة قادها إلى زنبيل ملك الترك، إذ استدرجه إلى داخل بلاده ثم أطبق عليه فنكل بجيشه حتى يقال إنه مات كمدا.

وفكر الحجاج فى قائد محنك يوليه سجستان، ويقود الحرب فيها، وهداه تفكيره إلى عبد الرحمن، وكان فى كرمان، فأمده بجيش عظيم كان يسمى «جيش الطواويس، لتمام أهبته وعدّته. والتقى بجيوش الترك وانتصر عليها انتصارات عظيمة ملأت يده بالغنائم، غير أنه رأى-خشية على جيشه-أن لا يتوغل وراء الترك، حتى لا يصنعوا به ما صنعوه بابن أبى بكرة. ولم يكد يعرف الحجاج ذلك حتى كتب إليه يتهمه بالخور والضعف، وهدّده إن لم يمض فى القتال بعزله. فثار عبد الرحمن لكرامته، وجمع قادة الجيش، وحدّثهم بكتب الحجاج وكانوا مثله ينطوون على بغضه، ويتمنون لو عادوا إلى أهليهم، فأظهروا الثورة عليه، وقالوا إنه لا يبالى بموتنا، ويريد أن يعرّضنا للخطر، حتى نسوق له ولخليفته الغنائم. ولم يلبثوا أن بايعوا عبد الرحمن، وصمموا على حرب الحجاج حتى يخرج من العراق.

ووادع عبد الرحمن ملك الترك وعاهده أنه إن ظفر بالحجاج لم يسأله خراجا أبدا، وإن هزمه الحجاج لجأ وأصحابه إليه، فمنعهم. واتجه بجيشه إلى العراق، وانضم إليه فى طريقه كثير من جند الكوفة والبصرة المقيمين بحاميات الأمصار، ولما صار فى فارس خلع عبد الملك بن مروان وخلعه جنده، وبايعوه على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأقبل الجيش «مثل السيل المنحطّ من عل، ليس يرده شئ حتى ينتهى إلى قراره» وأعشى همدان وأبو جلدة اليشكرى فى مقدمته يثيران الناس ويحمّسانهم للقاء الحجاج ومن يستعين بهم من عرب الشام، الذين نزلوا منازلهم وحلّوا دورهم بينما أخرجوا منها

<<  <  ج: ص:  >  >>