للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للحرب والموت فى سجستان وخراسان على نحو ما نرى فى قول أبى جلدة (١):

أيا لهفى ويا حزنى جميعا ... ويا غمّ الفؤاد لما لقينا

تركنا الدّين والدّنيا جميعا ... وخلّينا الحلائل والبنينا (٢)

فما كنا أناسا أهل دين ... فنصبر للبلاء إذا بلينا

ولا كنا أناسا أهل دنيا ... فنمنعها وإن لم نرج دينا

تركنا دورنا لطغام عكّ ... وأنباط القرى والأشعرينا (٣)

وتقدّم الحجاج بجيشه، فالتقى بجيش ابن الأشعث على نهر دجيل فى ذى الحجة سنة ٨١ وانتصر ابن الأشعث وتقدم بجنوده، فاستولى على البصرة، ومضى الحجاج فنزل بجيشه فى ضاحية من ضواحيها تسمى الزاوية، وحدثت فيها بين الطرفين معركة عنيفة كان فيها أبو جلدة يحرض على قتال الحجاج بمثل قوله (٤):

نحن جلبنا الخيل من زرنجا ... مالك يا حجّاج منا منجى (٥)

لتبعجنّ بالسيوف بعجا ... أو لتفرّنّ فذاك أحجى (٦)

وما زال أبو جلدة يحمس الجنود ويبث الغيرة فيهم لنسائهم، حتى شدّوا على عسكر الحجاج شدة ضعضعته، وثبت الحجاج وصاح بأهل الشام، فتراجعوا وثبتوا، وكانت الدائرة له. وانسحب ابن الأشعث بمن معه إلى الكوفة وهناك حدثت بينه وبين الحجاج موقعة دير الجماجم، وفيها هزم هزيمة ساحقة.

ولم يلبث أن جمع للحجاج جموعا جديدة، والتقى به فى «مسكن» فحالفته الهزيمة، فولّى وجهه نحو المشرق إلى أن وصل إلى سجستان، فالتجأ إلى زنبيل، وبعد محاولات منه لرجع سلطانه أسلمه الزنبيل لجيوش الحجاج، وقطعت رأسه، وقيل بل مات انتحارا. ويلقانا بجانب أبى جلدة شعراء كثيرون لجّوا فى هذه الثورة لعل أهمهم أعشى همدان، وهو بحق يعد شاعر هذه الثورة.


(١) مرت فى الفصل السالف مصادر ترجمته وانظر فى الأبيات أغانى (دار الكتب) ١١/ ٣١٢
(٢) الحلائل: الزوجات.
(٣) الطغام: الأوغاد. وعك: من قبائل الشام اليمنية. ومثلها الأشعر قبيلة يمنية. وسمأهم أنباطا يريد أنهم ليسوا بدوا، فهم فلاحون.
(٤) أغانى ١١/ ٣١٢.
(٥) زرنج: قصبة سجستان.
(٦) البعج: الشق. أحجى: أخلق وأجدر

<<  <  ج: ص:  >  >>