للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعض المعاصرين، وبنوا دراستهم له على هذا الوهم (١)، وفى الكامل للمبرد إشارات لذلك كثيرة تنقض هذا الوهم نقضا (٢) ومما يشهد لذلك شهادة قاطعة قوله:

وأنا امرؤ بقرار مكّة مسكنى ... ولها هواى فقد سبت قلبى

وقد عاش حياته للغزل الصريح، ويسّر له ثراؤه هذه المعيشة، فالدنيا دائما مشرقة باسمة من حوله، والمغنون والمغنيات من أهل مكة مثل ابن سريج وابن مسجح والغريض يلزمونه ويغنونه فى شعره، حتى لنظن أنهم كانوا يقاسمونه حياته، فضلا عما كان يعطيهم من عطايا جزيلة (٣). ويقول الرواة إنه كان ببيته مغنيتان تغنيانه فى أشعاره هما بغوم وأسماء. وسرعان ما يطير غزله إلى المدينة، فإذا مغنوها ومغنياتها من مثل معبد وجميلة يغنون فيه، ويلم بالمدينة كثيرا، ويصبح أكبر غزل فى عصره، ولهذا لم يكن غريبا أن يخلّف أضخم ديوان لا فى عصره فحسب، بل فى جميع العصور العربية.

وهو فى غزله يخضع ملكاته لفن الغناء الذى عاصره، إذ يستخدم الأوزان الخفيفة والمجزوءة، حتى يحمّلها المغنون والمغنيات ما يريدون من ألحان وإيقاعات كما يستخدم لغة سهلة، فيها عذوبة وحلاوة، حتى تفسح لهم فى روعة النغم.

ونراه لا يصطنع أى ثوب من ثياب التكلف، بل يظهرنا على حقيقته فى غزله وأنه لا يزال يتخذ الشباك لكل امرأة جميلة فى مكة، وتحوّل إلى مواسم الحج، يعلن حبه إعلانا لكل امرأة ذات حسن يلقاها، يقول:

يقصد الناس للطواف احتسابا ... وذنوبى مجموعة فى الطّواف

وتذهب مواسم الحج، فيتصدّى لكل فتاة جميلة بمكة، وخاصة الثريا بنت على الأموية. وينزل المدينة فيتصدى للقرشيات الجميلات بها من مثل سكينة بنت الحسين وزينب الجمحيّة. وعلى هذا النحو كان لا يزال يتغزل فى فتيات قريش النبيلات، ومن ثم وصف ترفهن وما كنّ فيه من نعيم، وديوانه من خير الدواوين التى تصوّر ما غرقت فيه القرشيات لهذا العصر من حضارة


(١) انظر عمر بن أبى ربيعة حياته وشعره لجبور طبع بيروت.
(٢) الكامل ص ٣٧٤، ٥٧٠ وراجع أخباره فى الأغانى مع مغبى مكة ومع الثريا.
(٣) انظر الأغانى (طبع دار الكتب) ١/ ٣٥٩، ٣/ ٣٢٢، ٤/ ٢٩٦، ٨/ ٢٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>