للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحلىّ وطيب، على نحو ما نرى فى قوله:

قالت ثريّا لأتراب لها قطف ... قمن نحيّى أبا الخطّاب من كثب (١)

فطرن طيرا لما قالت وشايعها ... مثل التماثيل قد موّهن بالذهب

يرفلن فى مطرفات السّوس آونة ... وفى العتيق من الدّيباج والقصب (٢)

ترى عليهن حلى الدّرّ متّسقا ... مع الزبرجد والياقوت كالشهب

ونراه أحيانا يلهج بصبابته وحبه وما يذوق من وجد وألم، متلطفا لصاحبته، ملحّا على أن تواصله بودها، مستعطفا، متضرعا، بمثل قوله:

ما كنت أشعر إلا مذ عرفتكم ... أن المضاجع تمسى تنبت الإبرا

قد لمت قلبى وأعيانى بواحدة ... فقال لى: لا تلمنى وادفع القدرا

ولكن هذا يأتى نادرا فى غزله، إذ قلما يشكو من هجر أو يتألم لصدّ، فقد تحول بشعره يملؤه تيها بنفسه. ويقال إنه كان جميلا، وكأنما انعكست فيه صورة الحب، فهو لا يشكو الغرام والعشق، بل محبوبته هى التى تشكو من ذلك، فهى التى تحيطه بشباك التضرع والاستعطاف، وهى التى ما تنى مسهّدة تتعذب فى حبه وتتمنى لو تراه. واسمعه يقول على لسان إحدى صواحبه:

تقول إذ أيقنت أنى مفارقها ... يا ليتنى متّ قبل اليوم يا عمرا

ويقول على لسان ثانية:

ما وافق النفس من شئ تسرّ به ... وأعجب العين إلا فوقه عمر

ويقول عن ثالثة:

قد حلفت ليلة الصّورين جاهدة ... وما على المرء إلا الحلف مجتهدا (٣)

لأختها ولأخرى من مناصفها ... لقد وجدت به فوق الذى وجدا (٤)

لو جمّع الناس ثم اختير صفوهم ... شخصا من الناس لم أعدل به أحدا


(١) قطف: جمع قطوف وهى بطيئة الخطو. كثب: قريب.
(٢) مطرفات: ثياب نفيسة. السوس: بلد بالمغرب. القصب: الحرير.
(٣) الصوران: موضع قرب المدينة.
(٤) مناصف: جمع منصف كمنبر، وهو الخادم.

<<  <  ج: ص:  >  >>