قالت الكبرى أتعرفن الفتى ... قالت الوسطى نعم هذا عمر
قالت الصّغرى وقد تيّمتها ... قد عرفناه وهل يخفى القمر
ولم يقف بإعجاب المرأة به عند ذلك الحد، فقد أخذ يصور كلفها به وتصدّيها له، وأنها تدور حوله لعلها تجد سبيلا إليه، وهو فى أثناء ذلك يتدلل ويتمنع، وهى تسعى إلى الوصول منتهزة كل فرصة، حتى بين مشاعر الحج، يقول:
قالت لترب لها تحدّثها ... لنفسدنّ الطّواف فى عمر
قومى تصدّى له ليعرفنا ... ثم اغمزيه يا أخت فى خفر
قالت لها قد غمزته فأبى ... ثم اسبطرّت تسعى على أثرى (١)
وعلى هذا النحو نراه فى غزله، يوقد قلوب الفتيات حبّا، وهن يتمنين عطفه وحنانه، وبذلك يعكس الصورة المألوفة فى الغزل العربى، إذ لا يزال الشاعر يطلب ويأمل ويتضرع ويرجو العطف والحنان، بل لا يزال يعلن العشق والهيام مسترحما مستعطفا، أما عند عمر فهذا كله موجود ولكن لا فى تصوير حبه هو وإنما فى تصوير حب الفتيات والنساء له وما يوقد به قلوبهن من العشق والصبابة.
فعمر فى غزله معشوق لا عاشق، أو على الأقل فى جمهور هذا الغزل، ويستتمّ خطوط هذه الصورة لا بإعلان الفتيات والنساء حبهن له فحسب، بل أيضا بما يصفن من خطوب هذا الحب، فهن يتحدثن عن هجرانه، وهن يذقن مرارة الغيرة ويصطلين بنارها المحرقة، وهن يتألمن من الوشاة ومن فقدهن لعطفه وأنهن لا يجدن عنده إلا الإعراض والصّدوف، يقول على لسان إحداهن:
أمن أجل واش كاشح بنميمة ... مشى بيننا صدّقته لم تكذّب
وأتاح له ذلك أن يصور عواطف المرأة ونفسيتها وما يتعمقها من دقائق الحب وما يثير فى قلبها من المشاعر الرقيقة، وكيف تتخذ الأسباب لاسترضاء عاشقها حين تراه ينصرف عنها، وكيف تتقدم لها بعض صديقاتها تحاول أن تعيد الصفاء بينهما، يقول: