للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والغزل، غير أنه فيما يظهر لم يكن ثريّا، ومن ثمّ كان يرحل كثيرا إلى دمشق يمدح خلفاء بنى أمية وينال عطاياهم الجزيلة، يقول:

وما كان مالى طارفا من تجارة ... وما كان ميراثا من المال متلدا

ولكن عطايا من إمام مبارك ... ملا الأرض معروفا وجودا وسؤددا

وله مدائح مختلفة فى الوليد بن عبد الملك وعبد العزيز بن مروان وعمر ابنه ويزيد بن عبد الملك. وأخباره تدل على أنه كان فيه طيش شديد، ولعله من أجل ذلك كان يصطدم بكثير من معاصريه، فيهجوهم هجاء قبيحا. وهو فى غزله شديد الصبابة، يستأثر الحب بقلبه ويملك عليه كل شئ، حتى ليقول:

إذا أنت لم تعشق ولم تدر ما الهوى ... فكن حجرا من يابس الصّخر جلمدا

فالحب الحياة ومن لم يعشق عدّ من الأموات، بل من الجماد، بل من الحجارة أو أشد قسوة. وهو يعلن حبه إعلانا، يعلن صبوته وثورة نفسه. وكان فاسد الخلق، فانصرفت الفتيات والنساء عنه، إذ رأينه يذهب بعيدا فى التصريح، على شاكلة قوله:

تعرّض سلماك لما حرم‍ ... ت ضلّ ضلالك من محرم (١)

تريد به البرّ يا ليته ... كفافا من البرّ والمأثم (٢)

وأشعاره فى أم جعفر الأوسية أنقى غزلياته، وكانت تدفعه عنها دفعا شديدا، وكذلك كان يدفعه عنها أخوها أيمن، حتى ليروى أنه أصلاه يوما سياطا حامية، وفيها يقول:

أدور ولولا أن أرى أمّ جعفر ... بأبياتكم ما درت حيث أدور

أزور البيوت اللاصقات ببيتها ... وقلبى إلى البيت الذى لا أزور

وما كنت زوّارا ولكن ذا الهوى ... إذا لم يزر لا بد أن سيزور


(١) حرمت: دخلت الحرم مثل أحرمت.
(٢) يقول: ليتنى تعادل إثمى وبرى، فخرجت غير بار ولا آثم.

<<  <  ج: ص:  >  >>