للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقول:

وما هو إلا أن أراها فجاءة ... فأبهت حتى ما أكاد أجيب

لك الله إنى واصل ما وصلتنى ... ومثن بما أوليتنى ومثيب

أبثّك ما ألقى وفى النفس حاجة ... لها بين جلدى والعظام دبيب

ومضى ينظم فيها أشعاره، وهى تزداد كرها له وازورارا عنه. ونراه مشغوفا بجميلة المغنية وناديها المشهور فى المدينة ومن كنّ فيه من الإماء مثل الذّلفاء وعقيلة وسلاّمة القس وله فيهن غزل كثير، كن يغنين فيه، من مثل قوله فى الذلفاء:

إنما الذلفاء همّى ... فليدعنى من يلوم

حبّب الذّلفاء عندى ... منطق منها رخيم

حبّها فى القلب داء ... مستكنّ لا يريم (١)

وكانت سلامة القس أكثرهن عطفا عليه وبرّا به، فنظم فيها غزلا كثيرا، يصوّر كلفه بها أشد الكلف وتهالكه عليها أشد التهالك على شاكلة قوله:

يا دين قلبك منها لست ذاكرها ... إلا ترقرق ماء العين أو دمعا (٢)

لا أستطيع نزوعا عن محبّتها ... أو يصنع الحبّ بى فوق الذى صنعا

وزادنى كلفا فى الحب أن منعت ... وحبّ شئ إلى الإنسان ما منعا

وهو فى هذا الغزل بالإماء والجوارى يختلف عن ابن أبى ربيعة الذى كان لا يتغزل كما مرّ بنا إلا بالحرائر النبيلات من القرشيات والعربيات. وهو يختلف عنه أيضا فى بعده فى التصريح، إذ كان لا يتحرج أحيانا من إباحة، ومن ثمّ شكاه أهل المدينة لأبى بكر بن حزم عامل سليمان بن عبد الملك، فأقامه على البلس للناس. ولما ولى عمر بن عبد العزيز أمر بنفيه إلى دهلك، فظل بها طوال خلافته، وولى يزيد بن عبد الملك، فشفعت له سلاّمة-وقد صارت إليه- عنده فعفا عنه. ولما ردّت إليه حريته زار دمشق، وتغنّى بيزيد وانتصاراته على ابن المهلب طويلا. ويقال إنه توفّى حوالى سنة ١١٠ للهجرة.


(١) لا يريم: لا يبرح.
(٢) دين هنا: داء.

<<  <  ج: ص:  >  >>