للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سلمان الفارسى على الرسول صلى الله عليه وسلم أن يحفر الخندق، حتى لا يستطيعوا اقتحام المدينة عليه، وكأنه كان أعلم من حوله بأساليب الحرب (١). وفى السيرة أيضا أن النضر بن الحارث كان قد قدم الحيرة وتعلم بها أحاديث ملوك الفرس وأحاديث رستم وإسفنديار، فكان إذا جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم (وهو لا يزال فى مكة) مجلسا فذكر فيه الله وحذر قومه ما أصاب من قبلهم من الأمم من نقمة الله خلفه فى مجلسه إذا قام، ثم قال: أنا والله يا معشر قريش أحسن حديثا منه، فهلم إلى فأنا أحدثكم أحسن من حديثه، ثم يحدثهم عن ملوك فارس وأبطالهم الأسطوريين (٢).

فالعرب الشماليون لم يكونوا منقطعين عن التأثيرات الحضارية الأجنبية، غير أنه ينبغى أن لا نبالغ فى تصور ما وصل إليهم من هذه التأثيرات، فقد كانوا لا يزالون فى طور السذاجة البدوية، وكل ما يمكن أن يقال إنهم كانوا فى نهاية هذا الطور.

وقد وقف من قديم قوم يقارنون بينهم وبين الشعوب المتحضرة من حولهم كالفرس والروم، وكان على رأسهم الشعوبية، وهى مقارنات تقوم على التحكم. لأنها تقارن بين بدو ومتحضرين، وقد مر الفرس والروم بطور بداوة كما مر العرب، ولم يكن لهم فيه حضارة ولا نظر علمى دقيق. ومثل هذه المقارنات ما بعثه الغربيون منذ القرن الماضى من الموازنة بين الساميين جميعا عربا وغير عرب وبين الآريين، على نحو ما هو معروف عن رينان (٣)، فقد ذهبوا يزعمون أن الآريين هم الجنس المفضل الذى أحدث الحضارة، وكأنهم يريدون أن يبرروا صنيع ساستهم واستعمارهم للشعوب السامية. . وهى نظرية لا تؤيدها الحقائق العلمية الخالصة، إذ لا يستطيع أحد أن يثبت نقاء سلالة جنسية بعينها، لها نسب صريح، وأيضا فإن هذه النظرية تتناسى أثر البيئة والظروف التى تلم بالشعوب، ومن المحقق أن الحضارة الإنسانية ليست من عمل جنس واحد، فقد تعاونت على تكوينها أجناس متباينة، ولكل جنس فيها نسبه المتعادلة. ويدخل فى هذه المقارنات المضللة ما نجده عند ابن خلدون من حكمه على العرب بأنهم ليسوا أصحاب صناعات ولا علوم (٤) لأن ذلك


(١) السيرة النبوية (طبعة الحلبى) ٣/ ٢٣٥
(٢) السيرة النبوية ١/ ٣٢١.
(٣) انظر تاريخ العرب قبل الإسلام لجواد على ١/ ١٦٨.
(٤) المقدمة (طبع المطبعة البهية) ص ٢٥٢ وفى مواضع متفرقة.

<<  <  ج: ص:  >  >>