للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنما ينطبق عليهم فى الجاهلية، أما فى الإسلام فقد عرفوا الصناعات ونهضوا فى الميادين العلمية والفلسفية نهضة كانوا فيها أساتذة العالم فى عصوره الوسيطة.

ويقول أوليرى: إن العربى مادى، ضيق الخيال والعواطف (١)، وكأنه يتجاهل أدبهم وما يزخر به من أخيلة ومشاعر، وهو تعميم جنسى لا دليل عليه، وكأنما قادته إليه نظرية الأجناس البشرية وما يدعو إليه أصحابها من تفوق الجنس الآرى على ما سواه من أجناس.

وندع هذه المقارنات المضللة وما سقط منها من أحكام خاطئة إلى بيان ما كان لدى العرب فى الجاهلية من معارف، لعل أهمها علمهم بالأنساب والأيام وما ينطوى فى ذلك من المناقب والمثالب، مما سجله العباسيون فى مجلدات ضخمة. وكأنهم رأوا فى ذلك كله تاريخهم، فكانوا يروونه ويحفّظونه أبناءهم، واشتهر عندهم كثيرون فى هذا الباب من أبواب الرواية.

ويلى هذا النوع من المعارف معرفتهم بالنجوم ومطالعها وأنوائها أو أمطارها، يقول الجاحظ: «وعرفوا الأنواء ونجوم الاهتداء لأن من كان بالصحاصح الأماليس (٢) -حيث لا أمارة ولا هادى مع حاجته إلى بعد الشقة-مضطر إلى التماس ما ينجيه ويؤديه (٣)، ولحاجته إلى الغيث وفراره من الجدب وضنه بالحياة اضطرته الحاجة إلى تعرف شأن الغيث، ولأنه فى كل حال يرى السماء وما يجرى فيها من كوكب ويرى التعاقب بينها والنجوم الثوابت فيها وما يسير منها مجتمعا وما يسير منها فاردا (٤)، وما يكون منها راجعا ومستقيما. وسئلت أعرابية فقيل لها: أتعرفين النجوم؟ قالت: سبحان الله أما أعرف أشباحا وقوفا علىّ كل ليلة. ووصف أعرابى لبعض أهل الحاضرة نجوم الأنواء ونجوم الاهتداء ونجوم ساعات الليل والسعود والنحوس، فقال قائل لشيخ عبادى كان حاضرا: أما ترى هذا الأعرابى يعرف من النجوم ما لا نعرف؟ قال: من لا يعرف أجذاع (٥) بيته (٦)؟ ! ».


(١) فجر الإسلام لأحمد أمين (الطبعة الأولى) ص ٣٩ نقلا عن كتاب أو ليرى Arabia Before Muhammad:
(٢) الصحاصح: الأرض المستوية، الأماليس: التى ليس بها ماء ولا شجر.
(٣) يؤديه: يعينه.
(٤) فاردا: منفردا.
(٥) الأجذاع: سيقان النخل تجعل سقفا للخيمة.
(٦) الحيوان ٦/ ٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>