للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهى معرفة أداهم إليها فرط الحاجة، ويقول صاعد بن أحمد المتوفى سنة ٤٣٥ هـ‍:

«كان للعرب معرفة بأوقات مطالع النجوم ومغايبها وعلم بأنواء الكواكب وأمطارها على حسب ما أدركوه بفرط العناية وطول التجربة لاحتياجهم إلى معرفة ذلك فى أسباب المعيشة لا على طريق تعلم الحقائق ولا على سبيل التدرب فى العلوم (١)».

وبهذا القياس نفسه كانت معارفهم الطبية، فقد عرفوها بالتجربة مثل الكنى بالنار وفوائد بعض العقارات النباتية، وكان ينتشر بينهم فى تضاعيف ذلك كثير من الخرافات كإيمانهم بأن دم السادة يشفى من الكلب وأن عظام الميت تشفى من الجنون وأن روحا شريرة تحلّ فى المريض، وكانوا يتداوون منها بالعزائم والرّقى.

فطبهم كان قاصرا ولم يكن مبنيا على قواعد عقلية، وحقا ما يقول ابن خلدون:

«للبادية. . طب يبنونه فى غالب الأمر على تجربة قاصرة على بعض الأشخاص، متوارثة عن مشايخ الحى وعجائزه، وربما يصح منه البعض، إلا أنه ليس على قانون طبيعى ولا على موافقة المزاج، وكان عند العرب من هذا الطب كثير، وكان فيهم أطباء معروفون كالحارث بن كلدة وغيره (٢)»، ومن أهم معارفهم الطبية معارفهم البيطرية، وخاصة فيما اتصل بالخيل والإبل، فقد عرفوا شياتها وما يزينها ويعيبها وما يتصل بذلك من علل وأمراض وأدواء كالجرب وما كانوا يداوونه به.

وقد تحدثوا طويلا عن حيواناتهم وخصائصها حديثا بل أحاديث أفاد منها الجاحظ فى حيوانه، وهو يعلق على ذلك بقوله: «وإنما أعتمد على ما عند الأعراب، وإن كانوا لم يعرفوا شكل ما أحتاج إليها منها من جهة العناية والفلاية (٣) ولا من جهة التذاكر والتكسب، ولكن هذه الأجناس الكثيرة ما كان منها سبعا أو بهيمة أو مشترك الخلق فإنما هى مبثوثة فى بلاد الوحش من صحراء أو واد أو غائط أو غيضة أو رملة أو رأس جبل، وهى فى منازلهم ومناشئهم، فقد نزلوا كما ترى بينها وأقاموا معها. . وربما بل كثيرا ما يبتلون بالناب والمخلب وباللدغ واللسع والعض والأكل، فخرجت بهم الحاجة إلى تعرف حال الجانى والجارح والقاتل وحال المجنى عليه والمجروح والمقتول، وكيف الطلب والهرب، وكيف الداء والدواء


(١) طبقات الأمم لصاعد (طبع بيروت) ص ٤٥.
(٢) المقدمة ص ٣٤٦.
(٣) الفلاية: النظر العلمى.

<<  <  ج: ص:  >  >>