للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن شعوره وشعور من حوله من الشعراء الذين فتنوا مثله بالصحراء ومناظرها الطبيعية أمثال ذى الرّمّة، وسنعرض له عما قليل. وكان يعاصره العجّاج وغيره من الرجّاز. أمثال رؤبة الذى يقول (١):

إن الرّدافى والكرىّ الأرقبا ... يكفيك درء الفيل حتى تركبا (٢)

فهو يفضل ركوب الإبل على ركوب الفيل الذى يحتاج إلى الدفع قبل اعتلائه.

وليس معنى ذلك أن الشاعر الأموى لم يفسح لطبيعة البيئات الجديدة فى شعره، إنما معناه أن الطبيعة الصحراوية هى التى كانت تستولى على ملكاته، أما بعد ذلك فقد كانت تنفذ طبيعة الأقاليم الجديدة إلى حواسه، فيصور ما يراه بها من جبال وثلوج. وقد صور الفرزدق نفسه فى بعض رحلاته إلى دمشق ما كان ينزل عليه وعلى صحبه فى طريقه شتاء من نثير الثلج، يقول (٣):

مستقبلين شمال الشام تضربهم ... بحاصب كنديف القطن منثور (٤)

على عمائمنا يلقى، وأرحلنا ... على زواحف نزجيها محاسير (٥)

وكان جرير على شاكلته لا يزال يبدئ ويعيد فى وصف المناظر الصحراوية ومع ذلك تلقانا فى ديوانه قطعة صوّر فيها نهيرات شقّها هشام بن عبد الملك من نهر الفرات، وخاصة نهير الهنئ، وما نبت على ضفافها من زرع وزيتون وأعناب ونخيل ومن كل الثمرات، وهى تطّرد على هذا النمط (٦):

شققت من الفرات مباركات ... جوارى قد بلغن كما تريد

وسخّرت الجبال وكنّ خرسا ... يقطّع فى مناكبها الحديد


(١) الحيوان ٧/ ٩٠.
(٢) الردافى: الحادى. الكرى: الذى يكرى دابته ويؤجرها. والأرقب: غليظ الرقبة. دره الفيل: ذفعه وكفه.
(٣) الديوان ص ٢٦٢.
(٤) شمال الشام: ريح شمالية. الحاصب: ما تحمله الريح من دقاق التراب أو الثلج. النديف: نثير الثلج والبرد.
(٥) نزجيها: نسوقها وندفعها، محاسير: كليلة.
(٦) ديوان جرير (طبعة الصاوى) ص ١٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>