للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عواطف الإنسان ومشاعره، ومن أروع ما يصور ذلك عنده قوله فى ظبية وابنها أو خشفها:

إذا استودعته صفصفا أو صريمة ... تنحّت ونصّت جيدها بالمناظر (١)

حذارا على وسنان يصرعه الكرى ... بكل مقيل عن ضعاف فواتر (٢)

وتهجره إلا اختلاسا نهارها ... وكم من محبّ رهبة العين هاجر

حذار المنايا رهبة أن يفتنها ... به وهى إلا ذاك أضعف ناصر (٣)

وواضح أنه صور محبة الظبية لابنها وكيف تخشى عليه السباع، فهى تبعد عنه حتى لا تدلّها عليه، وعينها مشدودة إليه، وقد امتلأ قلبها بالحنان والحب والشفقة. وعلى هذا النحو كان يبثّ فى الحيوان مشاعر الإنسان وأحاسيسه.

وبجانب هذه الخاصة فى وصف الطبيعة الحية نجد خاصة أخرى فى وصف الطبيعة الصامتة، إذ ملأها بالحياة والحركة، ولكن كيف يأتى بذلك فى خمود الصحراء وهمودها؟ لقد استعان فى النهار بالسراب، فإذا ذرى الجبال تتحرك كأنها خيل ظالعة أو إبل تهدى للنّحر عند البيت الحرام، أو لعلها سفن تجرى فى الفرات، أما إذا جنّه الليل فحسبه النجوم التى يرى فيها صورة بقر الوحش والظباء. وجعله هذا التمثل لما يجرى فى الأرض والماء والسماء يقع على صور فريدة من مثل قوله فى وصف ظباء تبدو له من آفاق بعيدة:

كأنّ بلادهن سماء ليل ... تكشّف عن كواكبها الغيوم

وقوله فى ظباء أخرى:

كأن أدمانها والشمس جانحة ... ودع بأرجائها فضّ ومنظوم (٤)

وقوله فى وصف الإبل ورحلتها فى الصحراء:

كأنّ مطايانا كل؟ ؟ ؟ مفازة ... قراقير فى صحراء دجلة تسبح (٥)


(١) الصفصف: الأرض المستوية. صريمة: رملة. نصت: نصبت مستقصية.
(٢) الكرى: النوم. المقيل: وقت القيلولة.
(٣) يفتنها: يسبقنها.
(٤) الأدمان: الظباء، فض: متفرق.
(٥) القراقير: السفن.

<<  <  ج: ص:  >  >>