للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتمتلئ كتب الأمثال والأدب بما دار على لسان لقمان وغيره من حكماء الجاهلية من حكم، مثل قول أكثم: «مقتل الرجل بين فكّيه» وقول عامر بن الظرب: «رب زارع لنفسه حاصد سواه». وفى الشعر الجاهلى كثير من هذه الحكم، وهى تذكر فى ثنايا كلامهم من مثل قول طرفة فى معلقته:

أرى العيش كنزا ناقصا كلّ ليلة ... وما تنقص الأيام والدّهر ينفد

وممن اشتهر بهذه الحكم الأفوه الأودى ولبيد وعبيد بن الأبرص، وفى خاتمة معلقة زهير طائفة كبيرة منها على شاكلة قوله:

وأعلم علم اليوم والأمس قبله ... ولكننى عن علم ما فى غد عم

ومن لا يصانع فى أمور كثيرة ... يضرّس بأنياب ويوطأ بمنسم (١)

ومن لا يذد عن حوضه بسلاحه ... يهدّم ومن لا يظلم الناس يظلم

ومن هاب أسباب المنية يلقها ... ولو رام أسباب السماء بسلّم

ومهما تكن عند امرئ من خليقة ... وإن خالها تخفى على الناس تعلم

وكان أكثر حكمهم يستقى من مروءتهم وسننها التى وصفناها فيما مر من حدثنا، وهى تجرى مجرى التعاليم التى ينبغى أن يأخذوا بها فى حياتهم. وقد وقف شعراؤهم كثيرا عند فكرة الحياة والموت والدهر وما يرمى به الناس، وكانوا يرون أنه لا مفر من الموت ولا حيلة منه، فلا ينفع إزاءه صحة ولا شباب ولا قوة، وكثيرا ما يذكرون من سبقهم إليه متخذين من ذلك عظتهم، يقول قسّ بن ساعدة (٢):

فى الذاهبين الأوّل‍ ... ين من الشعوب لنا بصائر

لما رأيت مواردا ... للموت ليس لها مصادر

ورأيت قومى نحوها ... تسعى الأصاغر والأكابر

لا يرجعن قومى ... إلىّ ولا من الباقين غابر


(١) المصانعة: الترفق والمداراة، يضرس: يعض، المنسم: خف البعير.
(٢) حماسة البحترى ص ٩٩ وانظر البيان والتبيين ١/ ٣٠٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>