للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أيقنت أنى لا محا ... لة حيث صار القوم صائر

وكثيرا ما يتسعون بهذه النظرة، فيخرجون عن إفناء الزمان لعشائرهم وقبائلهم إلى إفنائه للدول والملوك من حولهم، فالليالى والدهر والأزمان فى كل وقت تهدم جدارا كبيرا إما من ملك أو دولة، وحتى الأنبياء وسليمان الذى سخّرت له الجن تلفت نفوسهم جميعا وهلكوا كما هلك من قبلهم، ويهلك من بعدهم (١).

ودائما يكررون أن الدهر بالمرصاد وأنه لا يؤمن فى صباحه ومسائه. ولهم فى عتابه على فجيعته لهم بالأهل محاورات طريفة، كقول زهير إن صح أنه له (٢):

يا من لأقوام فجعت بهم ... كانوا ملوك العرب والعجم

استأثر الدهر الغداة بهم ... والدهر يرمينى ولا أرمى

لو كان لى قرنا أناضله ... ما طاش عند حفيظة سهمى (٣)

أو كان يعطى النّصف قلت له ... أحرزت قسمك فاله عن قسمى (٤)

يا دهر قد أكثرت فجعتنا ... بسراتنا ووقرت فى العظم (٥)

وسلبتنا ما لست معقبنا ... يا دهر ما أنصفت فى الحكم

وعلى هذه الشاكلة كان لهم ضرب من التفكير فى حقائق الحياة والموت، كما كان لهم حكم كثيرة مقتبسة من حقائق مجتمعهم ومعاشهم. وليس فى ذلك كله فلسفة، ولكن فيه البساطة والفطرة وما يدل على حنكتهم وتجربتهم الحسية الواقعية.


(١) حماسة البحترى ص ٨٣ وانظر المفضليات ص ٢١٧.
(٢) حماسة البحترى ص ١٠٥ وانظر الديوان (طبعة دار الكتب) ص ٣٨٥.
(٣) الحفيظة: الغضب.
(٤) النصف: العدل.
(٥) السراة: السادة، وقرت: صدعت.

<<  <  ج: ص:  >  >>