للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأول من يلقانا من خطبائهم حيّان بن ظبيان السّلمى والمستورد بن علّفة لعهد المغيرة بن شعبة فى ولايته على الكوفة لمعاوية. ولا نلبث أن نلتقى بنافع ابن الأزرق وطائفة من زعمائهم لدى عبد الله بن الزبير يناظرونه حتى إذا لم يجدوه على رأيهم انصرفوا عنه إلى البصرة، وهناك انقسموا-على نحو ما مرّ بنا-إلى أزارقة ونجدات وصفريّة وإباضية، وأسرع الأزارقة فأعلنوا ثورتهم وشهروا سيوفهم فى وجوه ولاة ابن الزبير ثم من خلفوهم من ولاة بنى أمية، وتصدّى لهم المهلب ابن أبى صفرة وقواد آخرون، ومزّقوهم شر ممزّق.

وقد ظلت نيران هذه الحروب مع الأزارقة مستعرة نحو خمسة عشر عاما كانت تحتدم فيها المعارك الحربية واللسانية من الشعر والخطابة، ومن أهم خطبائهم نافع بن الأزرق والزبير بن على الذى وليهم بعد نافع وابن الماحوز، وله خطب مختلفة يحرضهم فيها على القتال والاستشهاد طلبا لما عند الله من الثواب.

وتلقانا فى خطابتهم نفس الروح التى وصفناها فى أشعارهم، إذ نراهم يدعون للترامى على الموت ترامى الفراش على النار غير آبهين بالحياة الدنيا، إنها حياة زائفة، وهم يريدون الحياة الخالدة فى الدار الآخرة. وهم إنما يحاربون فى سبيل الحق، يحاربون تلك الفئة التى ضلت فى رأيهم، وكل منهم يلتمس الشهادة، يقول الزبير فى بعض خطبه (١): «إن البلاء للمؤمنين تمحيص وأجر، وهو على الكافرين عقوبة وخزى. وثقوا بأنكم المستخلفون فى الأرض والعاقبة للمتقين».

فهم فى رأيه الفئة المحقة وخصومهم الفئة المبطلة، وهم المؤمنون حقّا وغيرهم الكافرون، وقتلاهم فى الجنة أما قتلى غيرهم ففى النار، وهم لذلك يطلبون الاستشهاد، بل يطلبون العجلة إليه، حتى يتخلصوا من الدنيا ومتعها الزائلة، وكأنما يرون فى الموت نفسه ضربا من الغلبة على خصومهم الذين غلبوا على الدنيا، ولا يريدون أن يغلبوهم أيضا على الآخرة.

وإذا كنا لاحظنا فى شعرهم تنفيرا من الدنيا، حتى ليتحول فى بعض جوانبه إلى موعظة خالصة فكذلك الشأن فى خطبهم، على نحو ما يلقانا فى خطبة قطرىّ ابن الفجاءة قائدهم بعد الزبير بن على، وهو يستهلها على هذا النمط (٢):


(١) الكامل للمبرد ص ٦٤٠.
(٢) البيان والتبيين ٢/ ١٢٦ وعيون الأخبار.٢/ ٢٥٠ والعقد الفريد ٤/ ١٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>