للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الباطل أرجلهم، أنضاء (١) عبادة وأطلاح (٢) سهر، ينظر الله إليهم فى جوف الليل، منحنية أصلابهم على أجزاء القرآن، كلما مرّ أحدهم بآية من ذكر الجنة بكى شوقا إليها، وإذا مرّ بآية من ذكر النار شهق شهقة كأنّ زفير جهنم بين أذنيه. موصول كلالهم (٣) بكلالهم، كلال الليل بكلال النهار. . حتى إذا رأوا السّهام قد فوّقت (٤) والرماح قد أشرعت (٥) والسيوف قد انتضيت (٦)، ورعدت الكتيبة بصواعق الموت وبرقت استخفّوا بوعيد الكتيبة لوعد الله، ومضى الشباب منهم قدما، حتى اختلفت رجلاه على عنق فرسه، وتخضّبت بالدماء محاسن وجهه، فأسرعت إليه سباع الأرض، وانحطت عليه طير السماء.

فكم من عين فى منقار طائر طالما بكى صاحبها فى جوف الليل من خوف الله، وكم من كفّ زالت عن معصمها طالما اعتمد عليها صاحبها فى جوف الليل بالسجود لله».

وهى صورة رائعة لشباب الخوارج أحكم أبو حمزة إخراجها فى ألفاظ طلية تستميل القلوب بعذوبتها، ومعان تحيط بكل ما أراد من تمثيل تقوى الخوارج وإيثارهم لما عند الله من النعيم، وتمثيل اندفاعهم على حياض الموت كلّ يودّ أن يكون السابق إلى دار الخلود وأن يموت قعصا بالرماح، وأن تنوشه سباع الحيوان والطير، حتى يستحقّ رضوان ربه.

وعلى نحو ما كان للخوارج خطباؤهم كان للشيعة خطباء كثيرون، وكانوا على شاكلة خطباء الخوارج ينددون دائما ببنى أمية، وأنهم اغتصبوا الخلافة، وساروا فيها سيرة جائرة عطّلوا فيها أحكام الشريعة وما رسمه القرآن ورسوله الكريم. وكانوا لا يزالون يردّدون أن أبناء على هم أصحاب الخلافة الشرعيون بغى عليهم بنو أمية إذ انتزعوا منهم ميراثهم عن الرسول الكريم. وتدور هذه الأفكار دائما فى خطابتهم وخطابة أئمتهم، على نحو ما نجد عند الحسين حين اقترب من الكوفة واجتمع


(١) أنضاء: مهزولون.
(٢) أطلاح: مكدودون.
(٣) الكلال: التعب والإعياء.
(٤) فوق السهم: جعل له فوقا وهو موضع الوتر من السهم يصنع به ذلك إذا أعد للرمى.
(٥) أشرعت: سددت.
(٦) انتضيت: استلت.

<<  <  ج: ص:  >  >>