للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يجأر (١) إليه ويستكين له، وإن فراق الفاسقين حق على المؤمنين، قال الله فى كتابه: {(وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ)} وإن حبّ المؤمنين للسّبب الذى ينال به كرامة الله ورحمته، جعلنا الله وإياكم من الصادقين الصابرين».

ومضى على هذه الشاكلة يعظ من حوله من الصّفرية ويحرضهم على قتال بنى أمية أئمة الضلال الظّلمة كما يقول، حاثّا لهم أن يلحقوا بإخوانهم المؤمنين الموقنين الذين باعوا الدنيا بالآخرة ابتغاء رضوان الله. وممن اشتهر بين الصّفرية بالخطابة الطّرمّاح بن حكيم وشبيل بن عزرة الضّبعى والضحاك بن قيس الذى خرج لعهد مروان بن محمد وغلب على العراق فترة من الوقت.

ولم تحدثنا كتب الأدب والتاريخ عن خطباء النّجدات، أما الإباضية فقد اشتهر من بينهم بالخطابة عبد الله بن يحيى الكندى الملقب بطالب الحق، وقد دعا إلى الثورة على الأمويين فى سنة ١٢٩ واستطاع أن يستولى على حضرموت واليمن، واتجهت جيوشه بقيادة أبى حمزة قائده إلى الحجاز فاستولت عليه.

ولم تلبث جيوش مروان بن محمد أن ردّت الأمر إلى نصابه. ولأبى حمزة خطب مأثورة تدل دلالة بينة على أنه كان من راضة الكلام، وربما كان أروع خطبه كلمته التى ألقاها فى مكة، ويقال بل ألقاها فى المدينة (٢)، وهو يستهلها بالثناء على أبى بكر وعمر ولا يلبث أن يطعن فى عثمان ومن جاء بعده من خلفاء بنى أمية، مصورا تعطيلهم لحدود الله وأحكامه وأخذهم للرعية بالبطش والظلم، منددا بمن اشتهروا منهم باللهو والمجون مثل يزيد بن معاوية ويزيد بن عبد الملك.

وينتقل إلى تصوير الخوارج وإخلاصهم لعقيدتهم وتقواهم وزهدهم فى الدنيا وجهادهم فى سبيل الله مستعذبين للاستشهاد إذ يرون فيه الحياة كل الحياة، الحياة الباقية التى لا تفنى، يقول متحدثا عن شبابهم:

«شباب والله مكتهلون (٣) فى شبابهم غضيضة عن الشرّ أعينهم، ثقيلة عن


(١) يجأر: يضرع ويستغيث.
(٢) انظر البيان والتبيين ٢/ ١٢٢ وعيون الأخبار ٢/ ٢٤٩ والعقد الفريد ٤/ ١٤٤ والأغانى ٢٠/ ١٠٤.
(٣) مكتهلون: يريد أن لهم رزانة الكهول.

<<  <  ج: ص:  >  >>