للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غليل صدور المؤمنين، وأدركت بثأر النبيين، لم يكبر علىّ زوال الدنيا، ولم أحفل بالموت إذا أتى».

وأكبر الظن أنه قد اتضحت لنا المعانى التى كان يردّدها خطباء الشيعة، وهى معان تردّ إلى بيان حقوق آل البيت فى الخلافة، وأن على المسلمين أن ينصروهم، وأن يأخذوا بثأر من قتله الأمويون منهم. وفى تضاعيف ذلك يحمل خطباؤهم على بنى أمية حملات عنيفة مصورين ظلمهم ونقضهم لأحكام الكتاب والسنة. ومن أعلام الخطابة الشيعية زيد بن على وابنه يحيى، وإن كانت كتب الأدب والتاريخ الوثيقة لم تحتفظ بشئ من خطابتهما، وكذلك هى لم تحتفظ بشئ من خطابة بنى صوحان: صعصعة وزيد وسيحان وكانوا شيعة وفى الذروة من البيان والفصاحة. وقد احتفظ ابن أبى الحديد بكثير من المخاصمات والمحاورات بين الحسن بن على وعمرو بن العاص وبعض بنى أمية، وهى مخاصمات يغلب عليها الانتحال، ومثلها المخاصمات التى دارت بين ابن عباس ومعاوية وبعض أصحابه مما احتفظ به ابن أبى الحديد والعقد الفريد والمسعودى.

ولم يعش حزب الزبيريين طويلا، ولذلك لم يتكاثر خطباؤه، وعبد الله ابن الزبير خطيب هذا الحزب، وكان مفوها بليغا يعرف كيف يخلب الألباب بكلامه، ويستولى على النفوس بحلاوة منطقه، وهو فى خطابته يتناول الأمويين بالقدح والتجريح، وقد استغل مقتلهم للحسين ليبين غدرهم وما يتورطون فيه من آثام. وله مناظرة مع الخوارج تدل على قوة منطقه وحدة ذكائه (١)، وأيضا له خطبة مشهورة خطبها حين جاءه نعى أخيه مصعب واستيلاء عبد الملك بن مروان على العراق، وهى تصور رباطة جأشه وصدق يقينه، وفيها يقول (٢):

«إن يقتل فقد قتل أبوه وعمه وابن عمه (٣)، وكانوا الخيار الصالحين، إنا والله لا نموت حتف أنوفنا (٤)، ولكن قعصا (٥) بالرماح وموتا تحت ظلال السيوف،


(١) طبرى ٤/ ٤٣٧ وما بعدها.
(٢) العقد الفريد ٤/ ٤١٢ وعيون الأخبار ٢/ ٤٢٠.
(٣) أبوه الزبير قتل عقب موقعة الجمل وعمه عبد الرحمن بن العوام قتل يوم اليرموك وابنه عبد الله قتل يوم الدار. انظر أسد الغابة ٣/ ٢١٣.
(٤) يقال مات حتف أنفه إذا مات على الفراش.
(٥) قعصا: موتا سريعا.

<<  <  ج: ص:  >  >>